وحادث الإسراء، وجرأة المشركين على رسول اللّه - ﷺ - وتوقف حركة الدعوة تقريبا وهي من أقسى الفترات التي مرت بها الدعوة في مكة..
والآية ١٧ هذا نصها :«أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ، وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً؟ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ».. وواضح كذلك أنها من نوع القرآن المكي واتجاهه في مواجهة مشركي قريش بشهادة القرآن للنبي - ﷺ - بأنه إنما يوحى إليه من ربه وبشهادة الكتب السابقة وبخاصة كتاب موسى وبتصديق بعض أهل الكتاب به - وهذا ما كان في مكة من أفراد من أهل الكتاب - واتخاذ هذا قاعدة للتنديد بموقف المشركين. وتهديد الأحزاب منهم بالنار. مع تثبيت رسول اللّه - ﷺ - على الحق الذي هو معه، في وجه توقف الدعوة، وعناد الأكثرية الغالبة في مكة وما حولها من القبائل.. وليس ذكر كتاب موسى بشبهة على مدنية الآية. فهي ليست خطابا لبني إسرائيل ولا تحديا لهم - كما هو العهد في القرآن المدني - ولكنها استشهاد بموقف تصديق من بعضهم وبتصديق كتاب موسى - عليه السلام - لما جاء به محمد - ﷺ - وهذا أشبه بالموقف في مكة في هذه الفترة الحرجة، ومقتضياتها الواضحة.
والآية ١١٤ واردة في سياق تسرية عن الرسول - ﷺ - بما كان من الاختلاف على موسى من قبل. وتوجيهه للاستقامة كما أمر هو ومن تاب معه، وعدم الركون إلى الذين ظلموا (أي أشركوا) والاستعانة بالصلاة وبالصبر على مواجهة تلك الفترة العصيبة.. وتتوارد الآيات هكذا :«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ، إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا، إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ، ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)».. وواضح أن الآية قطعة من السياق المكي، موضوعا وجوا وعبارة..
لقد نزلت السورة بجملتها بعد يونس. ونزلت يونس بعد الإسراء. وهذا يحدد معالم الفترة التي نزلت فيها وهي من أخرج الفترات وأشقها كما قلنا في تاريخ الدعوة بمكة. فقد سبقها موت أبي طالب وخديجة وجرأة المشركين على ما لم يكونوا ليجرؤوا عليه في حياة أبي طالب - وخاصة بعد حادث الإسراء وغرابته، واستهزاء المشركين به، وارتداد بعض من كانوا أسلموا قبله - مع وحشة رسول اللّه - ﷺ - من خديجة - رضي اللّه عنها - في الوقت الذي تجرأت فيه قريش عليه وعلى دعوته وبلغت الحرب المعلنة


الصفحة التالية