ويحتوي شيئا من مشاهد القيامة وصور المكذبين فيها ومواجهتهم لربهم الذي كذبوا بوحيه وتولوا عن رسله وما يجدونه يومئذ من خزي لا ينصرهم منه أرباب ولا شفعاء :«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟ أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ، وَيَقُولُ الْأَشْهادُ : هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ! أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ! الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ، يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ، ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ، أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ. لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ».
«وإِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ - إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ... عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ».
ومن المؤثرات التي ترتجف لها القلوب ما يصوره السياق من حضور اللّه سبحانه واطلاعه على ما يخفي البشر من ذوات الصدور بينما هم غارّون لا يستشعرون حضوره سبحانه، ولا علمه المحيط ولا يحسون قهره للخلائق وإحاطته بها جميعا، وهم - الذين يكذبون - في قبضته كسائر الخلائق من حيث لا يشعرون :«إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ! أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ»..
«إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».
ومن المؤثرات الموحية في سياق السورة كذلك، استعراض موكب الإيمان. بقيادة الرسل الكرام، على مدار الزمان. وكل منهم يواجه الجاهلية الضالة بكلمة الحق الواحدة الحاسمة الجازمة، في صراحة وفي صرامة، وفي ثقة وطمأنينة ويقين.. وقد مر جانب من هذا الاستعراض في المقتطفات السابقة، والبقية ستأتي في موضعها في تفسير السورة. ومما لا شك فيه أن وحدة موقف الرسل الكرام، ووحدة الحقيقة التي يواجهون بها الجاهلية على مدار الزمان ووحدة العبارات المحكية عنهم التي تتضمن هذه الحقيقة.. يحمل في طياته ما يحمل من قوة وإيقاع وإيحاء.. (١)
بيان بإجمال للمقاصد الدينية التي حوتها هذه السورة

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ١٨٣٩)


الصفحة التالية
Icon