٤ - طبيعة الفترة التي نزلت فيها هذه السورة : قلنا إن سورة يوسف كان نزولها بعد سورة هود، وسبق أن بينا عند تفسيرنا لسورة هود، أن هذه السورة الكريمة كان نزولها - على الراجح - في الفترة التي أعقبت حادث الإسراء والمعراج..
ويبدو أن سورة يوسف - أيضا - كان نزولها في هذه الفترة، التي تعتبر من أشق الفترات في حياة النبي - ﷺ - إذ تعرض خلالها للكثير من أذى المشركين، بعد أن فقد - ﷺ - في هذه الفترة عمه أبا طالب، وزوجه السيدة خديجة - رضى اللّه عنها.
ونزول سورة يوسف في هذه الفترة، كان من أعظم المسليات التي واسى اللّه - تعالى - بها نبيه - ﷺ - فقد أخبره عما دار بين يوسف وإخوته، وعما تعرض له هذا النبي الكريم من مصائب وأذى...
ولا شك أن في قصة يوسف وما يشبهها، تسلية للرسول - ﷺ - عما أصابه من قومه.
٥ - والذي يطالع هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، يراها قد اشتملت على أوضح الدلائل، وأنصع البراهين، التي تشهد بأن هذا القرآن من عند اللّه...
فقد قصت علينا قصة يوسف - عليه السلام - مع إخوته ومع غيرهم بأسلوب مشوق حكيم، يهدى النفوس، ويشرح الصدور، ويكشف عن الخفايا التي لا يعلمها أحد إلا اللّه - تعالى -، ويصور أحوال النفس الإنسانية تصويرا بديعا معجزا...
كما يراها قد ساقت ما ساقت من حكم وأحكام، وعبر وعظات، بأسلوب يمتاز بحسن التقسيم، وجمال العرض، حتى إننا لنستطيع أن نقسم أهم الموضوعات التي تحدثت عنها إلى عشرة أقسام.
(أ) أما القسم الأول منها، فنراها تتحدث فيه عن جانب من فضائل القرآن الكريم، وعن رؤيا يوسف - عليه السلام - وعن نصيحة أبيه له بعد أن قصها عليه... قال - تعالى - الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
(ب) وفي القسم الثاني منها نراها تحدثنا عن مكر إخوة يوسف به، وحسدهم له، وتآمرهم على الانتقام منه وإجماعهم على أن يلقوا به في الجب، وتنفيذهم لذلك بعد خداعهم لأبيهم، وزعمهم له بأنهم سيحافظون على أخيهم يوسف...
استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى كل ذلك بأسلوبه البديع المعجز فيقول : لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ، إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ


الصفحة التالية
Icon