أن العرب اقتبسوا هذه الأصنام وعبادتها من قوم نوح ولعل هذا ما كان متداولا بينهم قبل البعثة. وعلى كل فإن هذا قرينة على أن العرب لم يكونوا جاهلين قصة نوح ومواقفه من قومه بالكلية.
ومما يصحّ إضافته إلى الآيات القرآنية الكثيرة التي احتوت دلائل وقرائن تفيد أن السامعين كانوا يعرفون أخبار الأمم والأنبياء التي تتلى عليهم من القرآن على سبيل العظة والتذكير أن المفسرين قد أوردوا بيانات كثيرة في سياق كل قصة من القصص القرآنية مسهبة حينا ومقتضبة حينا آخر، ومعزوة إلى علماء السير والأخبار إطلاقا حينا وإلى علماء بأسمائهم مثل ابن عباس ومقاتل ومجاهد والضحاك والكلبي وابن إسحاق ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم حينا، واحتوت تفاصيل وجزئيات حول هذا القصص أو قصصا بسبيلها مهما كان فيها من إغراب ومفارقات فإننا نستبعد أن تكون كلها موضوعة بعد النبي عليه السلام، ونميل إلى القول بل نرجح أنها احتوت أشياء كثيرة مما كان يدور في بيئة النبي قبل البعثة وبعدها حولها، وأنها مما يمكن الاستئناس به في تأييد النقطة الأولى من الملاحظة مما هو متسق مع المنطق وهدف التذكير والوعظ القرآني.
ومما يصح إضافته أيضا صيغة أعلام القصص مثل طالوت وجالوت ويونس وأيوب وفرعون وهامان وقارون وهارون وإبراهيم وآزر وسليمان وداود وإدريس ونوح والمسيح عيسى وموسى وهاروت وماروت إلخ فإن هذه الأعلام قد جاءت في القرآن معربة وعلى أوزان عربية ومن المستبعد أن تكون قد عربت لأول مرة في القرآن، ومن المرجح أن تكون قد عربت وتداولت بأوزانها العربية قبل نزولها وبهذا وحده يصح أن يشملها تعبير إنزال القرآن بلسان عربي مبين لأنها جزء منه وتداولها معربة قبل نزول القرآن يعني كما هو بديهي معرفة العرب شيئا من أخبار أصحابها على الأقل.
و في ما تكررت حكايته في القرآن عن الكفار من قولهم إنه أساطير الأولين وأن النبي كان يستكتبها وتملى عليه، وإنه كان أناس آخرون يعينونه عليها، وأنهم لو شاؤوا لقالوا مثلها كما جاء في آيات الأنعام :[٢٥] والأنفال :[٣٠] والفرقان :
[٥] والقلم :[٨ و١٥] مثلا قرينة قوية كذلك إن لم نقل قرينة حاسمة على أن العرب كانوا يسمعون من قصص القرآن ونذره وبشائره وتذكيراته ما اتصل بهم علمه وكان من المتداول بينهم. ولقد يرد أن الكفار حينما كانوا يرددون على النبي تعبير أساطير الأولين خاصة كانوا في موقف المكابر المستخف ومع التسليم بهذا فإن كلمة أساطير لا تقتضي دائما أن تعتبر مرادفة لكلمة قصص خرافية كما هو من مفهوماتها فإنها قد تفيد أيضا معنى المدونات لأنها مشتقة من «سطر» بمعنى «كتب» كما هو وارد في القرآن ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [القلم : ١] وآية الفرقان الخامسة وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً


الصفحة التالية
Icon