وهذا ما يدخلها في نطاق القصص الأخرى الواردة في معرض التذكير والتمثيل والإنذار والدعوة والاعتبار. وكذلك قصة يوسف فقد أعقبها آيات مثل تلك وهي الآيات [١٠٣ - ١١١] وانتهت بآية فيها قصد العبرة صراحة حيث جاء هذا التعبير لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف : ١١١] آخرها.
وقصة أصحاب الكهف والرقيم قد جاءت بعد آيات فيها حملة على الكفار لنسبتهم الولد إلى اللّه وهي الآيات [٤ - ٨]، كما أعقبها آيات فيها استمرار في الحملة وهي الآيات [٢٣ - ٣١]، وأسلوبها متسق مع أسلوب سائر القصص أي أنه تضمن المواعظ والتلقينات الأخلاقية والاجتماعية والدينية واستهدف التدعيم والتأييد للدعوة النبوية وأهدافها حتى ليبدو أن هذا هو المقصود بها عند إنعام النظر في سلسلة آياتها [١ - ٣١] وخاصة في أمر النبي بعدم المماراة كثيرا في شأنهم وإيكال علم ذلك إلى اللّه. ومع أن قصة ذي القرنين جاءت جوابا على سؤال صريح فإنّ أسلوبها مثل ذلك الأسلوب وقد أعقبتها آيات تضمنت حملة على الكافرين الجاحدين ومتصلة بآيات القصة اتصالا وثيقا نظما وانسجاما. وهذا وذاك يبدوان بارزين عند إنعام النظر في سلسلة الآيات.
وعلى هذا فإن من الصواب أن يقال إن هذه القصص لا تشذ عن الطابع العام للقصص القرآنية الذي نوهنا به في مطلع البحث.
ومما هو جدير بالتنويه ومتصل بالمعنى الذي نقرره وخاصة بالنسبة للنقطة الأولى من الملاحظة أنّ محتويات القصص القرآنية على تنوعها لم تكن موضع جدل ومماراة لا من مشركي العرب ولا من الكتابيين بدليل أنه لم يرد في القرآن أي إشارة تفيد ذلك صراحة أو ضمنا مع أنهم كانوا يحصون على النبي كل شيء ويترصدون لكل ما يتوهمون فيه تناقضا أو شذوذا عما يعرفونه ويعتقدونه ويتداولونه ويتوارثونه ويسارعون إلى إعلان استنكارهم وتكذيبهم، ويستغلونه فرصة للصد والدعاية والتأليب مما حكى القرآن شيئا كثيرا منه.
وقد يؤيد هذا أن العرب جادلوا في الحياة الأخروية أشد جدال وكذبوا وأنكروا أعنف تكذيب وإنكار فحكت ذلك آيات قرآنية كثيرة حتى لقد شغل هذا الجدل والتكذيب والإنكار وما اقتضاه من ردود وتوكيدات متنوعة الأسلوب حيزا كبيرا من القرآن المكي ولقد كان من أسباب هذا الإنكار والتكذيب والجدل أن العرب كانوا يسمعون ما لا علم لهم به سابقا وما لم يسمعوا عنه شيئا مهما من الكتابيين الذين كانوا مصدرا رئيسيا من مصادر معارفهم لأن أسفار هؤلاء لم تكد تحتوي عن الحياة الأخروية شيئا.


الصفحة التالية
Icon