محمد - ﷺ - خاتم النبيين، والفرق بين القصص فيها وفيما قبلها، أن السابق كان قصص الرسل مع أقوامهم فى تبليغ الدعوة والمحاجة فيها وعاقبة من آمن منهم ومن كذبوهم لإنذار مشركى مكة ومن تبعهم من العرب.
وأما هذه السورة فهى قصة نبى ربى فى غير قومه قبل النبوة وهو صغير السن حتى بلغ أشده واكتهل فنبىء وأرسل ودعا إلى دينه ثم تولى إدارة الملك لقطر عظيم فأحسن الإدارة والسياسة فيه وكان خير قدوة للناس فى رسالته وفى جميع ما دخل فيه من أطوار الحياة وتصريف أمورها على أحسن ما يصل إليه العقل البشرى، ومن أعظم ذلك شأنه مع أبيه وإخوته آل بيت النبوة، وكان من حكمة اللّه أن يجمعها فى سورة واحدة، ومن ثم كانت أطول قصة فى القرآن الكريم. (١)
وجه مناسبتها للتي قبلها اشتمالها على شرح ما قاساه بعض الأنبياء عليهم السلام من الأقارب، وفي الأولى ذكر ما لقوا من الأجانب، وأيضا قد وقع فيما قبل فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود : ٧١] وقوله سبحانه : رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هود : ٧٣] ووقع هنا حال يعقوب مع أولاده وما صارت إليه عاقبة أمرهم مما هو أقوى شاهد على الرحمة، وقد جاء عن ابن عباس وجابر بن زيد أن يونس نزلت ثم هود ثم يوسف وعد هذا وجها آخر من وجوه المناسبة. (٢)
* سورة يوسف إحدى السور المكية التي تناولت قصص الأنبياء، وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله (يوسف بن يعقوب ) وما لاقاه عليه السلام من أنواع البلاء، ومن ضروب المحن والشدائد، من إخوته ومن الآخرين، في بيت عزيز مصر، وفي السجن، وفي تآمر النسوة، حتى نجَاه الله من ذلك الضيق، والمقصودُ بها تسلية النبي، بما مر عليه من الكرب والشدة، وما لاقاه من أذى القريب والبعيد.
* والسورة الكريمة أسلوبَ فذ فريد، في ألفاظها، وتعبيرها، وأدائها، وفي قَصَصها الممتع اللطيف، تسري مع النفس سريان الدم في العروق، وتجري - برقتها وسلاستها - في القلب جريان الروح في الجسد، فهي وإن كانت من السور المكية، التي تحمل - في الغالب - طابع الإنذار والتهديد، إلا أنها اختلفت عنها في هذا الميدان، فجاءت طرية نَدِية، في أسلوب ممتع لطيف، سَلِس رقيق، يحمل جو الأنس والرحمة، والرأفة والحنان، ولهذا قال خالدُ بن مَعْدان :(سورة يوسف ومريم مما يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة) وقال عطاء :(لا يسمع سورة يوسف محزونٌ إلا استراح إليها).

(١) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (١٢ / ١١١)
(٢) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (٦ / ٣٦٢)


الصفحة التالية
Icon