لتشير إلى " إعجاز القرآن " في المجمل والمفصل، وفي حالتى الإيجاز والإطناب، فسبحان المَلِك العلي الوهاب.
* قال العلامة القرطبي :(ذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن، وكررها بمعنى واحد، في وجوه مختلفة، وبألفاظ متباينة، على درجات البلاغة والبيان، وذكر قصة يوسف عليه السلام ولم يكررها، فلم يقدر مخالف على معارضة المكرَّر، ولا على معارضة غير المكرر، والإعجاز واضح لمن تأمل ). وصدق الله [ لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب.. ] ! (١)
مقصودها وصف الكتاب بالإبانة لكل ما يوجب الهدى لما ثبتفيما مضى ويأتي في هذه السورة من تمام علم منزله غيبا وشهادة وشمول قدرته قولا وفعلا، وهذه القصة - كما ترى - أنسب الأشياء لهذا المقصود، فلذلك سميت سورة يوسف - والله أعلم (٢)
هذه السورة مكية، نزلت بعد سورة هود، في تلك الفترة الحرجة التي تحدثنا عنها في تقديم سورة يونس وفي تقديم سورة هود.. بين عام الحزن بموت أبي طالب وخديجة سندي رسول اللّه - ﷺ - وبين بيعة العقبة الأولى ثم الثانية التي جعل اللّه فيهما لرسول اللّه - ﷺ - وللعصبة المسلمة معه وللدعوة الإسلامية فرجا ومخرجا بالهجرة إلى المدينة.. وعلى هذا فالسورة واحدة من السور التي نزلت في تلك الفترة الحرجة في تاريخ الدعوة وفي حياة الرسول - ﷺ - والعصبة المسلمة معه في مكة..
والسورة مكية بجملتها، على خلاف ما ورد في المصحف الأميري من أن الآيات (١، ٢، ٣، ٧) منها مدنية. ذلك أن الآيات الثلاث الأولى هذا نصها :«الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ، وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ»..
وهذه الآيات هي مقدمة طبيعية لما جاء بعدها مباشرة من البدء في قصة يوسف عليه السلام.. ونص الآية التالية في السياق هو :«إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ : يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ...».
ثم تمضي القصة بعد ذلك في طريقها إلى النهاية.
فالتقديم لهذه القصة بقول اللّه تعالى :«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ» يبدو هو التقديم الطبيعي المصاحب لنزول القصة..
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٤ / ٣)