والذي جعلنا نرجح أن نزولها كان في هذه الفترة، ما اشتملت عليه السورة الكريمة، من أدلة متنوعة على وحدانية اللّه - تعالى - وقدرته، ومن تسلية له - ﷺ - عما أصابه من قومه - كما سنرى ذلك عند تفسيرنا لآياتها، كذلك مما جعلنا نرجح أن نزولها كان في هذه الفترة، قول السيوطي في كتابه الإتقان :« ونزلت بمكة سورة الأعراف، ويونس، وهود، ويوسف، والرعد... ».
وقد رجحنا عند تفسيرنا لسورة يونس، وهود، ويوسف - عليهم السلام - أن هذه السور قد نزلت في تلك الفترة من حياة النبي - ﷺ - ونرجح هنا أن نزول سورة الرعد كان في تلك الفترة - أيضا - لمناسبة موضوعاتها لأحداث هذه الفترة.
٥ - عرض إجمالى لسورة الرعد :
(ا) لقد افتتحت السورة الكريمة بالثناء على القرآن الكريم، وبالإشارة إلى إعجازه، ثم ساقت ألوانا من الأدلة على قدرة اللّه - تعالى - ووحدانيته وعظيم حكمته... اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ...
(ب) ثم حكت السورة بعد ذلك جانبا من أقوال المشركين في شأن البعث، وردت عليهم بما يكبتهم فقال - تعالى - وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ، وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ....
(ج) ثم بينت السورة الكريمة ما يدل على كمال علمه - تعالى - وعلى عظم سلطانه، وعلى حكمته في قضائه وقدره فقال - تعالى - : اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ....
(د) ثم أمر - سبحانه - نبيه - ﷺ - أن يسأل المشركين سؤال تهكم وتوبيخ عمن خلق السموات والأرض فقال - تعالى - : قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ. قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ، أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ، فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ، قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.
(ه) ضربت السورة الكريمة مثلين للحق والباطل. وعقدت مقارنة بين مصير أتباع الحق، ومصير أتباع الباطل فقال - تعالى - : أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى، إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ...
(و) ثم حكت السورة الكريمة بعض المطالب المتعنتة التي طلبها المشركون من النبي - ﷺ - وردت عليهم بما يمحق باطلهم، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم فقال - تعالى - : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ