الآيات فذلك مثل الحق والباطل. وذكرت السورة الكريمة اوصاف أهل السعادة وأهل الشقاوة، وضربت مثَلا بشهادة الله لرسوله بالنبوة والرسالة، وأنه مرسل من عند الله العزيز الحكيم.
التسمية :
سميت [ سورة الرعد ] لتلك الظاهرة الكونية العجيبة، التي تتجلى فيها قدرة الله وسلطانه، فالماء جعله الله سببا للحياة، وأنزله بقدرته من السحاب، والسحاب جمع الله فيه بين (الرحمة والعذاب )، فهو يحمل المطر ويحمل الصواعق، وفي الماء الإحياء، وفي الصواعق الإفناء، وجمع النقيضين من العجائب كما قال القائل : جمع النقيضين من أسرار قدرته هذا السحاب به ماء به نار فما أجمل واعظم قدرة الله !! (١)
مقصودها وصف الكتاب بأنه الحق في نفسه، وتارة يتأثر عنه مع أن له صوتا وصيتا وإرعابا وإرهابا يهدي بالفعل، وتارة لا يتأثر بل يكون سببا للضلال والعمى، وأنسب ما فيها لهذا المقصد الرعد فإنه مع كونه حقا في نفسه يسمعه الأعمى والبصير والبارز والمستتر، وتارة يتأثر عنه البرق والمطر وتارة لا، وإذا نزل المطر فتارة ينفع إذا أصاب الأراضي الطيبة وسلمت من عاهة، وتارة يخيب إذا نزل على السباخ الخوارة وتارة يضر لإغراق أو الصواعق أو البرد وغيرها - والله أعلم. (٢) كثيرا ما أقف أمام النصوص القرآنية وقفة المتهيب أن أمسها بأسلوبي البشري القاصر المتحرج أن أشوبها بتعبيري البشري الفاني! وهذه السورة كلها - شأنها شأن سورة الأنعام من قبلها - من بين هذه النصوص التي لا أكاد أجرؤ على مسها بتفسير أو إيضاح.
ولكن ماذا أصنع ونحن في جيل لا بد أن يقدم له القرآن مع الكثير من الإيضاح لطبيعته ولمنهجه ولموضوعه كذلك ووجهته، بعد ما ابتعد الناس عن الجو الذي تنزل فيه القرآن. وعن الاهتمامات والأهداف التي تنزل لها، وبعد ما انماعت وذبلت في حسهم وتصورهم مدلولاته وأبعادها الحقيقية، وبعد ما انحرفت في حسهم مصطلحاته عن معانيها.. وهم يعيشون في جاهلية كالتي نزل القرآن ليواجهها، بينما هم لا يتحركون بهذا القرآن في مواجهة الجاهلية كما كان الذين تنزل عليهم القرآن أول مرة يتحركون.. وبدون هذه الحركة لم يعد الناس يدركون من أسرار هذا القرآن شيئا. فهذا القرآن لا يدرك أسراره قاعد، ولا يعلم مدلولاته إلا إنسان يؤمن به ويتحرك به في وجه الجاهلية لتحقيق مدلوله ووجهته.
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٤ / ١١٧)