وقع فيها من تجديد في «اللقطات الفنية». ونحن نستعمل هذا التعبير «اللقطات الفنية» لأنه يلاحظ في صورته المعجزة في طريقة الأداء القرآنية! ويبدو أنه كان لجو السورة من اسمها نصيب.. إبراهيم.. أبو الأنبياء.. المبارك، الشاكر الأواه المنيب.
وكل الظلال التي تخلعها هذه الصفات ملحوظة في جو السورة، وفي الحقائق التي تبرزها، وفي طريقة الأداء، وفي التعبير والإيقاع.
ولقد تضمنت السورة عدة حقائق رئيسية في العقيدة. ولكن حقيقتين كبيرتين تظللان جو السورة كلها.
وهما الحقيقتان المتناسقتان مع ظل إبراهيم في جو السورة : حقيقة وحدة الرسالة والرسل، ووحدة دعوتهم، ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة بدين اللّه على اختلاف الأمكنة والأزمان. وحقيقة نعمة اللّه على البشر وزيادتها بالشكر ومقابلة أكثر الناس لها بالجحود والكفران..
وبروز هاتين الحقيقتين، أو هذين الظلين. لا ينفي أن هناك حقائق أخرى في سياق السورة. ولكن هاتين الحقيقتين تظللان جو السورة. وهذا ما أردنا الإشارة إليه : تبدأ السورة ببيان وظيفة الرسول وما أوتيه من كتاب.. فهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن اللّه :«كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».
وتختم بهذا المعنى وبالحقيقة الكبرى التي تتضمنها الرسالة. حقيقة التوحيد :«هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ».
وفي أثنائها يذكر أن موسى قد أرسل بمثل ما أرسل به محمد - ﷺ - ولمثل ما أرسل به، حتى في ألفاظ التعبير :«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ»..
ويذكر كذلك أن وظيفة الرسل عامة كانت هي البيان :«وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»..
وتتضمن إلى جانب وظيفة الرسول بيان حقيقته البشرية، وهي التي تحدد وظيفته. فهو مبلّغ ومنذر وناصح ومبين. ولكنه لا يملك أن يأتي بخارقة إلا بإذن اللّه، وحين يشاء اللّه، لا حين يشاء هو أو قومه ولا يملك كذلك أن يهدي قومه أو يضلهم، فالهدى والضلال متعلقان بسنة اللّه التي اقتضتها مشيئته المطلقة.
ولقد كانت بشرية الرسل هي موضع الاعتراض من جميع الأقوام في جاهليتهم، والسورة هنا تحكي قولهم مجتمعين :«قالُوا : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا، فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ».
وتحكي رد رسلهم كذلك مجتمعين :«قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ : إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ. وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ».