ومن هذا العرض الإجمالى للسورة الكريمة، نراها قد اهتمت اهتماما واضحا بتثبيت المؤمنين وتهديد الكافرين، تارة عن طريق الترغيب والترهيب، وتارة عن طريق قصص السابقين، وتارة عن طريق التأمل في هذا الكون وما اشتمل عليه من مخلوقات تدل على وحدانية اللّه وعظيم قدرته وسابغ رحمته... (١)
في السورة حكاية لبعض أقوال الكفار ومناظراتهم مع النبي - ﷺ - ولفت نظر إلى عظمة اللّه تعالى في كونه. وتذكير بقصة آدم وإبليس. وتذكير بمصائر بعض الأمم التي يمرّ العرب بديارهم المدمرة. وتثبيت للنبي - ﷺ - والمؤمنين وتبشيرهم وإنذار ووعيد للكافرين.
وفصول السورة مترابطة وآياتها متوازنة. وهذا وذاك يلهمان أنها نزلت دفعة واحدة أو فصولا متتابعة حتى تمّت، والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآية [٨٧] مدنية. وانسجامها التام في السياق والموضوع يسوغ الشك في الرواية. (٢)
سورة الحجر مكية، وهي تسع وتسعون آية.
تسميتها :
سميت سورة الحجر لذكر قصة أصحاب الحجر فيها، وهم ثمود، والحجر : واد بين المدينة والشام.
مناسبتها لما قبلها :
هناك تناسب بين هذه السورة وسورة إبراهيم في البدء والختام والمضمون، أما البداية : فكلتا السورتين افتتحتا بوصف الكتاب المبين، وأما المضمون : ففي كليهما وصف السموات والأرض، وإيراد جزء من قصة إبراهيم عليه السلام وبعض قصص الرسل السابقين، تسلية لرسول اللّه - ﷺ - عما تعرض له من أذى قومه بتذكيره بما تعرض له الأنبياء من قبله، ونصرة اللّه لهم، مع نقاش الكفار والمشركين.
وأما الخاتمة : ففي سورة إبراهيم وصف تعالى أحوال الكفار يوم القيامة بقوله : وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ، سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ، وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ثم قال هنا في هذه السورة :
رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار، ورأوا عصاة المؤمنين والموحدين قد أخرجوا منها، تمنوا أن لو كانوا في الدنيا مسلمين. هذا مع اختتام آخر
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٤ / ٣٤)