هذه الحياة، لا يعتريهم موت ولا فناء، فبينا هم آمنون مطمئنون جاءتهم صيحة العذاب في وقت الصباح [ فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ]. (١)
مقصودها وصف الكتاب بأنه في الذروة من الجمع للمعاني الواضحة للحق من غير اختلاف أصلا، وأشكل ما فيها وأمثلة في هذا المعنى قصة أصحاب الحجر، فإن وضوح آيتهم عندهم وعند كل من شاهدها أو سمع بها كوضوح ما دل عليه مقصود هذه السورة في أمر الكتاب عند جميع العرب لا سيما قريش، وأيضا آيتهم في غاية الإيضاح للحق والجمع لمعانيه الدائرة على التوحيد المقتضي للاجتماع على الداعي، ومن يتضح ويتأيد ما اخترته من الإعراب لقوله تعالى ) كما أنزلنا على المقتسمين (، ومن هنا تعليقي له ب ) كانوا عنا معرضين ( المقتضي لشدة الملابسة بين شأنهم في كفرهم وشأن قريش في مثل ذلك - كما ستراه، على أن لفظ الحجر يدل على مادل عليه مقصود السورة من الجمع والاستدارة التي روحها الإحاطة المميزة للمحاط به من غيره بلا لبس أصلا - والله أعلم. (٢)
هذه السورة مكية بجملتها، نزلت بعد سورة يوسف، في الفترة الحرجة، ما بين «عام الحزن» وعام الهجرة.. تلك الفترة التي تحدثنا عن طبيعتها وملابساتها ومعالمها من قبل في تقديم سورة يونس وفي تقديم سورة هود وفي تقديم سورة يوسف بما فيه الكفاية..
وهذه السورة عليها طابع هذه الفترة، وحاجاتها ومقتضياتها الحركية.. إنها تواجه واقع تلك الفترة مواجهة حركية وتوجه الرسول - ﷺ - والجماعة المسلمة معه، توجيها واقعيا مباشرا وتجاهد المكذبين جهادا كبيرا. كما هي طبيعة هذا القرآن ووظيفته.
ولما كانت حركة الدعوة في تلك الفترة تكاد تكون قد تجمدت، بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبي - ﷺ - والعصبة المؤمنة معه حيث اجترأت قريش على رسول اللّه - ﷺ - بما لم تكن تجترئ عليه في حياة أبي طالب. واشتد استهزاؤها بدعوته كما اشتد إيذاؤها لصحابته.. فقد جاء القرآن الكريم في هذه الفترة يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم ويعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم ويكشف للرسول - ﷺ - عن علة تكذيبهم وعنادهم وهي لا تتعلق به ولا بالحق الذي معه، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات. ومن ثم يسلي الرسول - ﷺ - ويواسيه ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه والصدع به بقوة في مواجهة الشرك وأهله والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة، وطول الطريق! ومن هنا تلتقي هذه السورة في وجهتها وفي موضوعها وفي
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٤ / ١٩٩)