سميت سورة النحل، لاشتمالها في الآيتين [٦٨ - ٦٩] : وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ على قصة النحل التي ألهمها اللّه امتصاص الأزهار والثمار، وتكوين العسل الذي فيه شفاء للناس، وتلك قصة عجيبة مثيرة للتفكير والتأمل في عجيب صنع اللّه تعالى، والاستدلال بهذا الصنع على وجود اللّه سبحانه.
وسميت أيضا سورة «النّعم» لتعداد نعم اللّه الكثيرة فيها على العباد «١».
ارتباطها بالسورة التي قبلها :
إن آخر سورة الحجر شديد الارتباط بأول هذه السورة، فإن قوله تعالى في آخر السورة السابقة : فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يدل على إثبات الحشر يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا، وكذلك قوله تعالى : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ يدل على ذكر الموت، وكل من هاتين الآيتين ظاهر المناسبة لقوله هنا في أول السورة : أَتى أَمْرُ اللَّهِ إلا أنه في الحجر أتى بقوله :
يَأْتِيَكَ بلفظ المضارع، وهنا أَتى بلفظ الماضي لأن المراد بالماضي هنا : أنه بمنزلة الآتي الواقع، وإن كان منتظرا، لقرب وقوعه وتحقق مجيئه.
وكذلك ترتبط هذه السورة بسورة إبراهيم لأنه تعالى ذكر هناك فتنة الميت، وما يحصل عندها من الثبات أو الإضلال، وذكر هنا الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [٢٨، ٣٢] وما يحصل عقب ذلك من النعيم أو العذاب. وذكر أيضا النعيم في سورة إبراهيم، وقال بعده : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [٣٤] وكررت الآية نفسها هنا [١٨] وذكر هنا أنواع النّعم المختلفة.
ما اشتملت عليه السورة :
تضمنت هذه السورة الكلام على أصول العقيدة وهي الألوهية والوحدانية، والبعث والحشر والنشور، فبدأت بإثبات الحشر والبعث واقتراب الساعة ودنوها، معبرا تعالى بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع قطعا، مثل قوله تعالى : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ، وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء ٢١/ ١] وقوله : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر ٥٤/ ١] وكل ذلك يدل على أن إخبار اللّه تعالى في الماضي والمستقبل سواء لأنه آت لا محالة.
ثم أثبتت الوحي الذي كان ينكره المشركون كما أنكروا البعث، وأنهم كانوا يستعجلون الرسول - ﷺ - أن يأتيهم العذاب الذي هددهم به.
ثم تحدثت السورة عن أدلة القدرة الإلهية في هذا الكون الدالة على وحدانية اللّه من خلق السموات والأرض، وما فيهما من كواكب ونجوم، وجبال وبحار، وسهول ووديان، ومياه وأنهار، ونباتات وحيوانات، وأسماك ولآلئ بحرية وبواخر تجري في البحر، ورياح لواقح ومسيرة للفلك، ودعت إلى