٦ - وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال «نزل القرآن جملة واحدة من عند اللّه من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ونجمه جبريل على النبي عشرين سنة». وقد سيقت هذه الروايات في سياق هذه الآيات :
١ - شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة : ١٨٥].
٢ - إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [الدخان : ٣].
٣ - إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر : ١].
ووردت متقاربة المدى مع بعض التباين في الصيغة في التفسير المنسوب إلى ابن عباس وفي تفاسير عديدة مثل الطبري و«الكشاف» والخازن وأبي السعود والبيضاوي جريا على العادة من اتخاذ المفسرين الروايات الواردة في أغلب الأحيان عمادا للتفسير مهما كان أمرها ورواتها على ما شرحناه في مناسبة سابقة.
ولم يقتصر الأمر على الروايات المعزوة إلى ابن عباس فإن بعض العلماء رووا روايات وقالوا أقوالا أخرى في الموضوع فقال أبو شامة وهو من علماء القرآن باحتمال أن يكون القرآن قد أنزل إلى السماء قبل نبوة النبي. وروي عن عكرمة أنه قال إن آية فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الواقعة : ٧٥]، تعني نزول القرآن منجما من السماء الأولى.
وعلّق بعض العلماء والمفسرين على ما تضمنته الروايات تعليقات تطبيقية وتوفيقية على اعتبار أنها قضية مسلمة فقال أبو شامة إن السرّ في إنزاله إلى السماء تفخيم أمره وأمر من نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما حسب الوقائع لهبط به الأرض جملة واحدة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن اللّه باين بينه وبينها فجعل له الأمرين بإنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا.. وقال الحاكم والترمذي أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد، وذلك أن بعثة محمد كانت رحمة فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد وبالقرآن فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حدّ الدنيا ووضعت النبوة في قلب محمد، وجاء جبريل بالرسالة ثم بالوحي، كأنه تعالى أراد أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من اللّه.. وقال السخاوي إن في إنزاله إلى السماء جملة واحدة تكريما لبني آدم وتعظيما لشأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية اللّه بهم ورحمته لهم، ولهذا أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام «١»، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له، وفيه تسوية بين نبينا وبين موسى في إنزاله كتابه جملة، والتفضيل لمحمد في إنزاله جملة ومنجما..! وجاء في تفسير الخازن في سياق سورة القدر وبعد إيراد الروايات المذكورة سابقا : قيل إنما أنزله إلى سماء الدنيا


الصفحة التالية
Icon