وقيل : إلا أربعا، هاتان الآيتان، وقوله - تعالى - : وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ....
وقوله - سبحانه - : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ....
والذي تطمئن إليه النفس أن سورة الإسراء بتمامها مكية - كما قال جمهور المفسرين - لأن الروايات التي ذكرت في كون بعض آياتها مدنية، لا تنهض دليلا على ذلك لضعفها...
والذي يغلب على الظن أن نزول هذه السورة الكريمة : أو نزول معظمها، كان في أعقاب حادث الإسراء والمعراج.
وذلك لأن السورة تحدثت عن هذا الحدث، كما تحدثت عن شخصية الرسول - ﷺ - حديثا مستفيضا، وحكت إيذاء المشركين له، وتطاولهم عليه، وتعنتهم معه، كمطالبتهم إياه بأن يفجر لهم من الأرض ينبوعا...
وقد ردت السورة الكريمة على كل ذلك، بما يسلى الرسول - ﷺ - ويثبته، ويرفع منزلته، ويعلى قدره... في تلك الفترة الحرجة من حياته - ﷺ - وهي الفترة التي أعقبت موت زوجه السيدة خديجة - رضى اللّه عنها - وموت عمه أبى طالب...
٦ - (أ) وعند ما نقرأ سورة الإسراء نراها في مطلعها تحدثنا عن إسراء اللّه - تعالى - بنبيه - ﷺ - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعن الكتاب الذي آتاه اللّه - تعالى - لموسى - عليه السلام - ليكون هداية لقومه، وعن قضاء اللّه في بنى إسرائيل...
قال - تعالى - : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً. وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً..
(ب) ثم يبين - سبحانه - بعد ذلك أن هذا القرآن قد أنزله - سبحانه - على نبيه - ﷺ - ليهدى الناس إلى الطريق الأقوم، وليبشر المؤمنين بالأجر الكبير، وأن كل إنسان مسئول عن عمله، وسيحاسب عليه يوم القيامة، دون أن تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى... قال - تعالى - : إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ، أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً.... إلى أن يقول - سبحانه - : وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.


الصفحة التالية
Icon