(٢) إنه لما أمر نبيه - ﷺ - بالصبر ونهاه عن الحزن وضيق الصدر من مكرهم فى السورة السالفة - ذكر هنا شرفه وعلو منزلته عند ربه.
(٣) إنه ذكر فى السورة السالفة نعما كثيرة حتى سميت لأجلها سورة النعم، ذكر هنا أيضا نعما خاصة وعامة.
(٤) ذكر هناك أن النحل يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس - وهنا ذكر : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.
(٥) إنه فى تلك أمر بإيتاء ذى القربى، وكذلك هنا مع زيادة إيتاء المسكين وابن السبيل. (١)
وجه اتصال هذه بالنحل - كما قال الجلال السيوطي - أنه سبحانه لما قال في آخرها إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل : ١٢٤] ذكر في هذه شريعة أهل السبت التي شرعها سبحانه لهم في التوراة فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنه قال : إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل، وذكر تعالى فيها عصيانهم وإفسادهم وتخريب مسجدهم واستفزازهم النبي - ﷺ - وإرادتهم إخراجه من المدينة وسؤالهم إياه عن الروح ثم ختمها جل شأنه بآيات موسى عليه السلام التسع وخطابه مع فرعون وأخبر تعالى أن فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض فأهلك وورث بنو إسرائيل من بعده وفي ذلك تعريض بهم أنهم سينالهم ما نال فرعون حيث أرادوا بالنبي - ﷺ - ما أراد هو بموسى عليه السلام وأصحابه، ولما كانت هذه السورة مصدّرة بقصة تخريب المسجد الأقصى افتتحت بذكر إسراء المصطفى - ﷺ - تشريفا له بحلول ركابه الشريف جبرا لما وقع من تخريبه.
وقال أبو حيان في ذلك : إنه تعالى لما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر ونهاه عن الحزن على الكفرة وضيق الصدر من مكرهم وكان من مكرهم نسبته - ﷺ - إلى الكذب والسحر والشعر وغير ذلك مما رموه وحاشاه به عقب ذلك بذكر شرفه وفضله وعلو منزلته عنده عز شأنه، وقيل : وجه ذلك اشتمالها على ذكر نعم منها خاصة ومنها عامة وقد ذكر في سورة النحل من النعم ما سميت لأجله سورة النعم واشتمالها على ذكر شأن القرآن العظيم كما اشتملت تلك وذكر سبحانه هناك في النحل يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ [النحل : ٦٩] وذكر هاهنا في القرآن وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء : ٨٢] وذكر سبحانه في تلك أمره بإيتاء ذي القربى وأمر هنا بذلك مع زيادة في قوله سبحانه : وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [الإسراء : ٢٦]