والتلقي عنه. وقد صدق أبوبكر - رضي اللّه عنه - وهو يرد المسألة المستغربة المستهولة عند القوم إلى بساطتها وطبيعتها فيقول : إني لأصدقه بأبعد من ذلك. أصدقه بخبر السماء! ومما يلاحظ - بمناسبة هذه الواقعة وتبين صدقها للقوم بالدليل المادي الذي طلبوه يومئذ في قصة العير وصفتها - أن الرسول - ﷺ - لم يسمع لتخوف أم هانى ء - رضي اللّه عنها - من تكذيب القوم له بسبب غرابة الواقعة. فإن ثقة الرسول بالحق الذي جاء به، والحق الذي وقع له، جعلته يصارح القوم بما رأى كائنا ما كان رأيهم فيه. وقد ارتد بعضهم فعلا، واتخذها بعضهم مادة للسخرية والتشكيك. ولكن هذا كله لم يكن ليقعد الرسول - ﷺ - عن الجهر بالحق الذي آمن به.. وفي هذا مثل لأصحاب الدعوة أن يجهروا بالحق لا يخشون وقعه في نفوس الناس، ولا يتملقون به القوم، ولا يتحسسون مواضع الرضى والاستحسان، إذا تعارضت مع كلمة الحق تقال.
كذلك يلاحظ أن الرسول - ﷺ - لم يتخذ من الواقعة معجزة لتصديق رسالته، مع إلحاح القوم في طلب الخوارق - وقد قامت البينة عندهم على صدق الإسراء على الأقل - ذلك أن هذه الدعوة لا تعتمد على الخوارق، إنما تعتمد على طبيعة الدعوة ومنهاجها المستمد من الفطرة القويمة، المتفقة مع المدارك بعد تصحيحها وتقويمها. فلم يكن جهر الرسول - ﷺ - بالواقعة ناشئا عن اعتماده عليها في شيء من رسالته. إنما كان جهرا بالحقيقة المستيقنة له لمجرد أنها حقيقة (١)
مجمل ما حوته السورة من الأغراض
(١) الإسراء من مكة إلى بيت المقدس.
(٢) تاريخ بنى إسرائيل فى حالى الارتقاء والانحطاط.
(٣) حكم وعظات للأمة الإسلامية يجب أن تراعيها حتى لا تذهب دولها كما ذهبت دولة بنى إسرائيل.
(٤) بيان أن كل ما فى السموات والأرض مسبّح للّه.
(٥) الكلام فى البعث مع إقامة الأدلة على إمكانه.
(٦) الرد على المشركين الذين اتخذوا مع اللّه آلهة من الأوثان والأصنام.
(٧) الحكمة فى عدم إنزال الآيات التي التي اقترحوها على محمد - ﷺ -.
(٨) قصص سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس من ذلك.
(٩) تعداد بعض نعم اللّه على عباده.
(١٠) طلب المشركين من الرسول - ﷺ - أن يوافقهم فى بعض معتقداتهم وإلحافهم فى ذلك.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ٢٢٠٨)


الصفحة التالية
Icon