والذين تطمئن إليه النفس أن سورة الكهف كلها مكية، وقد ذكر ذلك دون أن يستثنى منها شيئا الإمام ابن كثير، والزمخشري، وأبو حيان، وغيرهم، وفضلا عن ذلك فالذين قالوا بأن فيها آيات مدنية، لم يأتوا بما يدل على صحة قولهم، كما سيتبين لنا عند تفسير الآيات التي قيل بأنها مدنية.
٢ - وقد صدر الامام ابن كثير تفسيره لهذه السورة، بذكر الأحاديث التي وردت في فضلها فقال ما ملخصه : ذكر ما ورد في فضلها، والعشر الآيات من أولها وآخرها، وأنها عصمة من الدجال.
قال الامام أحمد : حدثنا يزيد، أخبرنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن سالم بن أبى الجعد، عن معدان بن أبى طلحة، عن أبى الدرداء عن النبي - ﷺ - قال :« من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال ».
وفي رواية عن أبى الدرداء، عن النبي - ﷺ - :« من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ».
وأخرج الحاكم عن أبى سعيد الخدري، عن النبي - ﷺ - أنه قال :« من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين « ١ » ».
٣ - عرض إجمالى لسورة الكهف :
(أ) عند ما نقرأ سورة الكهف، نراها في مطلعها تفتتح بالثناء على اللّه - تعالى - وبالتنويه بشأن النبي - ﷺ - وبالقرآن الذي نزل عليه ثم تنذر الذين نسبوا إلى اللّه - عز وجل - مالا يليق به، وتصمهم بأقبح ألوان الكذب، ثم تنهى النبي - ﷺ - عن التأسف عليهم، بسبب إصرارهم على كفرهم. قال - تعالى - : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً. ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً. وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً. ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً.
(ب) ثم ساقت السورة بعد ذلك فيما يقرب من عشرين آية قصة أصحاب الكهف، فحكت أقوالهم عند ما التجأوا إلى الكهف، وعند ما استقروا فيه واتخذوه مأوى لهم، كما حكت جانبا من رعاية اللّه، تعالى، لهم، ورحمته بهم.. ثم صورت أحوالهم وهم رقود، وذكرت تساؤلهم فيما بينهم بعد أن بعثهم اللّه - تعالى - من رقادهم الطويل، وإرسالهم أحدهم إلى المدينة لإحضار بعض الأطعمة، وإطلاع الناس عليهم. وتنازعهم في أمرهم، ونهى اللّه - تعالى - عن الجدال في شأنهم، كما ذكرت المدة التي لبثوها في كهفهم. قال - تعالى - وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً، قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.


الصفحة التالية
Icon