كإقامة الدليل لما ذكر من الحكم في تلك السورة. وقد ورد في الحديث أنه لما نزل وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قالت اليهود : قد أوتينا التوراة فيها علم كل شيء فنزل قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي
[الكهف : ١٠٩] الآية فتكون هذه السورة من هذه الجهة جوابا عن شبهة الخصوم فيما قرر في تلك، وأيضا لما قال سبحانه هناك فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [الإسراء : ١٠٤] شرح ذلك هنا وبسطه بقوله سبحانه فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الكهف : ٩٨] إلى قوله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً [الكهف : ٩٩، ١٠٠] اه، وللمناسبة أوجه أخر تظهر بأدنى تأمل. (١)
* سورةُ الكهف من السور المكية، وهي إحدى سورٍ خمس بُدئت ب " الحمدُ لله، وهذه السور هي الفاتحة، الأنعام، آلكهف، سبأ، فاطر وكلها تبتدىء بتمجيد الله جل علا وتقديسه، والاعتراف له بالعظمة والكبرياء، والجلال والكمال.
* تعرضت السورة الكريمة لثلاث قصص من روائع قصص القرآن، في سبيل تقرير أهدافها الأساسية لتثبيت العقيدة، والإيمان بعظمة ذي الجلال.. أما الأولى فهي قصة (أصحاب الكهف وهي قصة التضحية بالنفس في سبيل العقيدة، وهم الفتية المؤمنون الذين خرجوا من بلادهم فرارا بدينهم، ولجئوا إلى غار في الجبل، ثم مكثوا فيه نياما ثلاثمائة وتسع سنين، ثم بعثهم الله بعد تلك المدة الطويلة. والقصة الثانية : قصة موسى مع الخضر، وهي قصة التواضع في سبيل طلب العلم، وما جرى من الأخبار الغيبية التي اطلع الله عليها ذلك العبد الصالح " الخضر " ولم يعرفها موسى عليه السلام حتى آْعلمه بها الخضر كقصة السفينة، وحادثة قتل الغلام، وبناء الجدار. والقصة الثالثة : قصة ذي القرنين وهو ملك مكَّن الله تعالى له بالتقوى والعدل أن يبسط سلطانه على المعمورة، وأن يملك مشارق الأرض ومغاربها، وما كان من أمره في بناء السد العظيم.
* وكما استخدمت السورة - في سبيل هدفها - هذه القصص الثلاث، استخدمت أمثلة واقعية ثلاثة، لبيان أن الحقً لا يرتبط بكثرة المال والسلطان، وإنما هو مرتبط بالعقيدة، المثل الأول : للغني المزهو بماله، والفقير المعتز بعقيدته وإيمانه، في قصة أصحاب الجنتين. والثاني : للحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال، والثالث : مثل التكبر والغرور مصورا في حادثة امتناع إبليس عن السجود لآدم، وما ناله من الطرد والحرمان، وكل هذه القصص والأمثال بقصد العظة والاعتبار.
التسمية :

(١) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (٨ / ١٨٩)


الصفحة التالية
Icon