ويلمس سياق السورة هذا الموضوع مرات كثيرة في صور شتى :
في قصة أصحاب الكهف يقول الفتية الذين آمنوا بربهم :«رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً».
وفي التعقيب عليها :«ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً»..
وفي قصة الجنتين يقول الرجل المؤمن لصاحبه وهو يحاوره :«أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً».
وفي التعقيب عليها :«وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً».
وفي مشهد من مشاهد القيامة :«وَيَوْمَ يَقُولُ : نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً».
وفي التعقيب على مشهد آخر :«أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ؟ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا» أما تصحيح منهج الفكر والنظر فيتجلى في استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم، والذين لا يأتون على ما يقولون ببرهان. وفي توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه، وما لا علم له به فليدع أمره إلى اللّه.
ففي مطلع السورة :«وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ» والفتية أصحاب الكهف يقولون :«هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً. لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ!» وعند ما يتساءلون عن فترة لبثهم في الكهف يكلون علمها للّه :«قالُوا : رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ».
وفي ثنايا القصة إنكار على من يتحدثون عن عددهم رجما بالغيب :«سَيَقُولُونَ : ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ : خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ - رَجْماً بِالْغَيْبِ - وَيَقُولُونَ : سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. قُلْ : رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً، وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً».
وفي قصة موسى مع العبد الصالح عند ما يكشف له عن سر تصرفاته التي أنكرها عليه موسى يقول :«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي» فيكل الأمر فيها للّه.
فأما تصحيح القيم بميزان العقيدة، فيرد في مواضع متفرقة، حيث يرد القيم الحقيقية إلى الإيمان والعمل الصالح، ويصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية التي تبهر الأنظار.
فكل ما على الأرض من زينة إنما جعل للابتلاء والاختبار، ونهايته إلى فناء وزوال :«إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً».