ثناء أثنى الله به على نفسه. ) بسم الله ( المنزه عن كل شائبة نقص، القادر على كل ما يريد ) الرحمن ( الذي عم نواله سائر مخلوقاته ) الرحيم ( الذي اختص الصالحين من عباده، بما يسعد من مراده. (١)
يدور سياق هذه السورة على محور التوحيد ونفي الولد والشريك ويلم بقضية البعث القائمة على قضية التوحيد.. هذا هو الموضوع الأساسي الذي تعالجه السورة، كالشأن في السور المكية غالبا.
والقصص هو مادة هذه السورة. فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى. فقصة مريم ومولد عيسى. فطرف من قصة إبراهيم مع أبيه.. ثم تعقبها إشارات إلى النبيين : إسحاق ويعقوب، وموسى وهرون، وإسماعيل، وإدريس. وآدم ونوح. ويستغرق هذا القصص حوالي ثلثي السورة. ويستهدف إثبات الوحدانية والبعث، ونفي الولد والشريك، وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين من أتباع النبيين.
ومن ثم بعض مشاهد القيامة، وبعض الجدل مع المنكرين للبعث.
واستنكار للشرك ودعوى الولد وعرض لمصارع المشركين والمكذبين في الدنيا وفي الآخرة.. وكله يتناسق مع اتجاه القصص في السورة ويتجمع حول محورها الأصيل.
وللسورة كلها جو خاص يظللها ويشيع فيها، ويتمشى في موضوعاتها..
إن سياق هذه السورة معرض للانفعالات والمشاعر القوية.. الانفعالات في النفس البشرية، وفي «نفس» الكون من حولها. فهذا الكون الذي نتصوره جمادا لا حس له يعرض في السياق ذا نفس وحس ومشاعر وانفعالات، تشارك في رسم الجو العام للسورة. حيث نرى السماوات والأرض والجبال تغضب وتنفعل حتى لتكاد تنفطر وتنشق وتنهد استنكارا :
«أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً»..
أما الانفعالات في النفس البشرية فتبدأ مع مفتتح السورة وتنتهي مع ختامها. والقصص الرئيسي فيها حافل بهذه الانفعالات في مواقفه العنيفة العميقة. وبخاصة في قصة مريم وميلاد عيسى.
والظل الغالب في الجو هو ظل الرحمة والرضى والاتصال. فهي تبدأ بذكر رحمة اللّه لعبده زكريا «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا» وهو يناجي ربه نجاء :«إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا».. ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيرا. ويكثر فيها اسم «الرَّحْمنِ». ويصور النعيم الذي يلقاه المؤمنون به في صورة ود :«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» ويذكر من نعمة اللّه على يحيى أن آتاه اللّه حنانا «وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا». ومن نعمة اللّه على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفا :

(١) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٤ / ٥١٤)


الصفحة التالية
Icon