ختمت سورة مريم بقوله تعالى :« فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ».
وبدئت سورة طه بقوله :« ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ». والختام، والبدء، على سواء فى تذكير النبىّ صلوات اللّه وسلامه عليه، بأنه ليس مسئولا عن هداية الناس، وحملهم حملا على الإيمان باللّه.. وإنما دعوته هى تبليغ رسالة ربّه.. والرسالة ـ كما يحملها القرآن الكريم ـ واضحة بيّنة، لا تحتاج إلى جهد يبذل وراءها، ليكشف عن مضامينها.. إنها لا تحتاج ـ لكى يجنى الناس ثمراتها ـ إلا إلى آذان تسمع، وعقول تعقل، وقلوب تعى « فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها » (٤١ : الزمر) « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ.. وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ » (٢٩ : الكهف) (١)
تعريف بسورة طه
١ - سورة « طه » من السور المكية. وكان ترتيبها في النزول بعد سورة مريم.
قال الآلوسى :« وتسمى - أيضا - بسورة الكليم.. وآياتها - كما قال الداني - مائة وأربعون آية عند الشاميين ومائة وخمس وثلاثون عند الكوفيين، ومائة وأربع وثلاثون عند الحجازيين ».
وقال القرطبي :« سورة طه - عليه السلام - مكية في قول الجميع، نزلت قبل إسلام عمر - رضى اللّه عنه -، فقد قيل له : إن ختنك وأختك قد صبوا - أى : دخلا في الإسلام - فأتاهما وعندهما رجل من المهاجرين.. يقال له : خباب وكانوا يقرءون « طه ».
٢ - وقد افتتحت السورة الكريمة بخطاب النبي - ﷺ - وببيان وظيفته، وببيان سمو منزلة القرآن الكريم : الذي أنزله عليه ربه الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
قال - تعالى - : طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى. الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى....
٣ - ثم فصلت السورة الكريمة الحديث عن قصة موسى - عليه السلام - فبدأت بنداء اللّه - تعالى - له، وباختياره لحمل رسالته. ثم تحدثت عن تكليفه - سبحانه - لموسى، بالذهاب إلى فرعون. قال - تعالى - : اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.
٤ - ثم حكت السورة ما دار بين موسى وبين فرعون من مناقشات ومجادلات، وكذلك ما دار بين موسى وبين السحرة الذين جمعهم فرعون لمنازلة موسى - عليه السلام - وكيف أن السحرة انتهى