وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله.. ظل علوي جليل، تخشع له القلوب، وتسكن له النفوس، وتعنو له الجباه.. إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على الوادي المقدس على عبده موسى، في تلك المناجاة الطويلة والليل ساكن وموسى وحيد، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل.. وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم :«وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً».. «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ»..
والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا. (١)
خلاصة لما تضمنتة السورة الكريمة
(١) إن القرآن أنزل على نبيه - ﷺ - تذكرة لمن يخشى، أنزله من خلق الأرض والسموات العلى.
(٢) قصص موسى عليه السلام وتكليمه ربه فى الطور، وحديث العصا واليد البيضاء من غير سوء، وطلبه من ربه أن يجعل له أخاه هرون وزيرا وإجابة سؤاله فى ذلك، وامتنانه عليه بما حدث له حين وضع فى التابوت وألقى فى اليمّ وقصّ أخته ورجوعه إلى أمه، ثم طلب ربه منه أن يبلغ فرعون دعوته وينصح له فى قبول دينه وإقامة شعائره، وإجابة فرعون له بأنه ساحر كذاب، وأنه سيجمع له السحرة ثم إيمان السحرة به فتوعدهم فرعون بالعذاب فلم يأبهوا له، واستمر فرعون فى غيه حتى أوحى اللّه إلى موسى أن يخرج من مصر فأتبعه هو وجنوده فأغرقوا.
(٣) حديث السامري وإضلاله بنى إسرائيل باتخاذه عجلا جسدا له خوار حين كان موسى بالطور، وحين رجع ورأى ذلك هاله الأمر وغضب من أخيه هرون وأخذ يجره من رأسه، ثم إغلاظه القول للسامرى ودعوته عليه بأنه يعيش طريدا فى الحياة وسيعذبه اللّه فى الآخرة أشد العذاب، ثم نسف إلهه وإلقاؤه فى اليمّ.
(٤) بيان أن من أعرض عن القرآن فإنه سيلقى الجزاء والوبال يوم القيامة.
(٥) ذكر أوصاف المجرمين حينئذ، وأنهم يختلفون فى مدة لبثهم فى الدنيا.
(٦) سؤال المشركين عن حال الجبال يوم القيامة، وأن الأصوات حينئذ تخشع للرحمن فلا تسمع إلا همسا، وأن الوجوه تخضع لربها القائم بأمرها.
(٧) وصف القرآن الكريم بأنه عربى مبين أنزل تذكرة للناس، وأن اللّه سيعصم رسوله من نسيانه، فلا ينبغى أن يعجل بتلاوته قبل أن يتم تبليغ جبريل له.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ٢٣٢٦)


الصفحة التالية
Icon