وسلامه عليهم اجمعين. ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن غفلة الناس عن الآخرة، وعن الحساب والجزاء، بينما القيامة تلوح لهم، وهم عن ذلك اليوم الرهيب غافلون، وقد شغلتهم مغريات الحياة عن الحساب المرقوب.
ثم انتقلت الى الحديث عن المكذبين، وهم يشهدون مصارع الغابرين، ولكنهم لا يعتبرون ولا يتعظون، حتى اذا ما فاجأهم العذاب، رفعوا اصواتهم بالتضرع والاستغاثة، ولكن هيهات ان ينفع الندم، او تفيد الاستغاثة. وتناولت السورة دلائل القدرة في الأنفس والآفاق، لتنبه على عظمة الخالق المدبر الحكيم، فيما خلق وأبدع، ولتربط بين وحدة الكون، ووحدة الإله الكبير جل جلاله. وبعد عرض الادلة والبراهين، الشاهدة على وحدانية رب العالمين، تذكر السورة حال المشركين، وهم يتلقون الرسول ( - ﷺ - ) بالاستهزاء والسخرية والتكذيب، وتعقب على ذلك بسنة الله الكونية في اهلاك الطغاة المجرمين ثم تتناول السورة الكريمة قصص بعض الرسل، وتتحدث بالاسهاب عن قصة " ابراهيم " عليه السلام مع قومه الوثنيين، في اسلوب مشوق، فيه من نصاعة البيان، وقوة الحجة والبرهان، ما يجعل الخصم يقر بالهزيمة في خنوع واستسلام، وفي قصته عبر وعظات، لمن كان له قلب وفكر سليم.. وتتابع السورة الحديث عن الرسل الكرام فتتحدث عن (اسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وايوب، واسماعيل، وادريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، وعيسى) بايجاز، ولهذا سميت سورة الانبياء، مع بيان الاهوال والشدائد التي تعرضوا لها، وتختم ببيان رسالة سيد المرسلين محمد بن عبد الله المرسل رحمة للعالمين.
التسمية : سميت " سورة الانبياء " لان الله تعالى ذكر فيها جملة من الانبياء الكرام فى استعراضٍ سريع، يطول احيانا ويقصر احيانا، وذكر جهادهم وصبرهم وتضحيتهم في سبيل الله، وتفانيهم في تبليغ الدعوة لاسعاد البشرية. (١)
مقصودها الاستدلال على تحقق الساعة وقربها ولو بالموت، ووقوع الحساب فيها على الجليل والحقير، لأن موجدها لا شريك له يعوقه عنها، وهن من لا يبدل القول لديه، والدال على ذلك أوضح دلالة مجموع قصص جماعة ممن ذكر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا يستقل قصة منها استقلالا ظاهرا بجميع ذلك كما سنبين، ولا يخلو قصو من قصصهم من دلالة على شيء من ذلك فنسبت إلى الكل - والله الموفق. (٢)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٥ / ٦٣)