وآيات العقاب بالمثل، فهي مدنية قطعا. فالمسلمون لم يؤذن لهم في القتال والقصاص إلا بعد الهجرة. وبعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة. أما قبل ذلك فقد قال رسول اللّه - ﷺ - حين بايعه أهل يثرب، وعرضوا عليه أن يميلوا على أهل منى من الكفار فيقتلوهم «إني لم أومر بهذا». حتى إذا صارت المدينة دار إسلام شرع اللّه القتال لرد أذى المشركين عن المسلمين والدفاع عن حرية العقيدة، وحرية العبادة للمؤمنين.
والذي يغلب على السورة هو موضوعات السور المكية، وجو السور المكية. فموضوعات التوحيد والتخويف من الساعة، وإثبات البعث، وإنكار الشرك. ومشاهد القيامة، وآيات اللّه المبثوثة في صفحات الكون.. بارزة في السورة وإلى جوارها الموضوعات المدنية من الإذن بالقتال، وحماية الشعائر، والوعد بنصر اللّه لمن يقع عليه البغي وهو يرد العدوان، والأمر بالجهاد في سبيل اللّه.
والظلال الواضحة في جو السورة كلها هي ظلال القوة والشدة والعنف والرهبة. والتحذير والترهيب واستجاشة مشاعر التقوى والوجل والاستسلام.
تبدو هذه الظلال في المشاهد والأمثال..
فمشهد البعث مزلزل عنيف رهيب :«يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»..
وكذلك مشهد العذاب :«فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها - مِنْ غَمٍّ - أُعِيدُوا فِيها، وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ»..
ومثل الذي يشرك باللّه :«وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ»..
وحركة من ييأس من نصر اللّه :«مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ، ثُمَّ لْيَقْطَعْ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ»..
ومشهد القرى المدمرة بظلمها :«فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ، فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ»..
تجتمع هذه المشاهد العنيفة المرهوبة إلى قوة الأوامر والتكاليف، وتبرير الدفع بالقوة، وتأكيد الوعد بالنصر والتمكين. إلى عرض الحديث عن قوة اللّه وضعف الشركاء المزعومين..


الصفحة التالية
Icon