ويتصل الشوط الثاني بنهاية الشوط الأول بالحديث عن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام. ويستنكر هذا الصد عن المسجد الحرام الذي جعله اللّه للناس جميعا. يستوي في ذلك المقيمون به والطارئون عليه.. وبهذه المناسبة يذكر طرفا من قصة بناء البيت، وتكليف إبراهيم - عليه السلام - أن يقيمه على التوحيد، وأن يطهره من رجس الشرك. ويستطرد إلى بعض شعائر الحج وما وراءها من استجاشة مشاعر التقوى في القلوب، وهي الهدف المقصود. وينتهي هذا الشوط بالإذن للمؤمنين بالقتال لحماية الشعائر والعبادات من العدوان الذي يقع على المؤمنين ولا جريرة لهم إلا أن يقولوا : ربنا اللّه! والشوط الثالث يتضمن عرض نماذج من تكذيب المكذبين من قبل، ومن مصارع المكذبين ومشاهد القرى المدمرة على الظالمين. وذلك لبيان سنة اللّه في الدعوات، وتسلية الرسول - ﷺ - عما يلقاه من صد وإعراض، وتطمين المسلمين، بالعاقبة التي لا بد أن تكون. كذلك يتضمن عرض طرف من كيد الشيطان للرسل والنبيين في دعوتهم، وتثبيت اللّه لدعوته، وإحكامه لآياته، حتى يستيقن بها المؤمنون، ويفتن بها الضعاف والمستكبرون!.
أما الشوط الأخير فيتضمن وعد اللّه بنصرة من يقع عليه البغي وهو يدفع عنه العدوان ويتبع هذا الوعد بعرض دلائل القدرة في صفحات الكون، وإلى جوارها يعرض صورة زرية لضعف الآلهة التي يركن إليها المشركون.. وينتهي الشوط وتنتهي السورة معه بنداء الذين آمنوا ليعبدوا ربهم، ويجاهدوا في اللّه حق جهاده، ويعتصموا باللّه وحده، وهم ينهضون بتكاليف عقيدتهم العريقة منذ أيام إبراهيم الخليل..
وهكذا تتساوق موضوعات السورة وتتعاقب في مثل هذا التناسق.. (١)
خلاصة ما تضمنته السورة من الحكم والأحكام
(١) وصف حال يوم القيامة وما فيه من شدائد وأهوال تشيب منها الولدان.
(٢) جدال عبدة الأصنام والأوثان بلا حجة ولا برهان.
(٣) إثبات البعث وإقامة الأدلة عليه.
(٤) وصف المنافقين المذبذبين فى دينهم وعدم ثباتهم على حال واحدة.
(٥) ما أعد اللّه لعباده المؤمنين من الثواب المقيم فى جنات النعيم.
(٦) بيان أن اللّه ناصر نبيه ومظهر دينه على سائر الأديان.
(٧) بيان أن اللّه يحكم يوم القيامة بين عباده من أرباب الديانات المختلفة ويجازى كلا بما يستحق.
(٨) إقامة الأدلة على وجود خالق السموات والأرض وبيان أن العالم كله خاضع لقدرته.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ٢٤٠٥)


الصفحة التالية
Icon