وختمت بأمر النبي - ﷺ - أن يغض عن سوء معاملتهم ويدفعها بالتي هي أحسن، ويسأل المغفرة للمؤمنين، وذلك هو الفلاح الذي ابتدئت به السورة. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « المؤمنون » من السور المكية، وعدد آياتها ثماني عشرة آية ومائة، وكان نزولها بعد سورة الأنبياء.
٢ - وقد افتتحت السورة الكريمة بالحديث عن الصفات الكريمة التي وصف اللّه - تعالى - بها عباده المؤمنين، فذكر منها أنهم في صلاتهم خاشعون وأنهم للزكاة فاعلون...
ثم ختمت السورة تلك الصفات الجليلة، ببيان ما أعده الخالق - عز وجل - لأصحاب هذه الصفات فقال : أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
٣ - ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى الحديث عن أطوار خلق الإنسان، فابتدأت ببيان أصل خلقه، وانتهت ببيان أنه سيموت، ثم سيبعث يوم القيامة ليحاسب على ما قدم وما أخر.
قال - تعالى - : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً. فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً. ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ.
٤ - وبعد أن أقام - سبحانه - الأدلة على قدرته على البعث عن طريق خلق الإنسان في تلك الأطوار المتعددة، أتبع ذلك ببيان مظاهر قدرته - تعالى - عن طريق خلق الكائنات المختلفة التي يراها الإنسان ويشاهدها وينتفع بها.. فقال - سبحانه - : وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ، فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ.
٥ - ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك فيما يقرب من ثلاثين آية بعض قصص الأنبياء مع أقوامهم، فذكر جانبا من قصة نوح مع قومه، ومن قصة موسى مع فرعون وقومه.
ثم ختم هذه القصص ببيان مظاهر قدرته في خلق عيسى من غير أب، فقال - تعالى - :
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً، وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ..
٦ - ثم وجه - سبحانه - بعد ذلك نداء عاما إلى الرسل - عليهم الصلاة والسلام - أمرهم فيه بالمواظبة على أكل الحلال الطيب، وعلى المداومة على العمل الصالح، وبين - سبحانه - أن شريعة الأنبياء جميعا

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (١٨ / ٥)


الصفحة التالية
Icon