وضحت السورة الآداب الإجتماعية التي يجب أن يتمسك بها المؤمنون في حياتهم الخاصة والعامة، كالإستئذان عند دخول البيوت، وغض الابصار، وحفظ الفروج، وحرمة إختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وما ينبغي ان تكون عليه الاسرة المسلمة و " البيت المسلم " من العفاف والستر، والنزاهة والطهر، والاستقامة على شريعة الله، صيانةً لحرمتها، وحفاظا عليها من عوامل التفكك الداخلي، والانهيار الخلقي، الذي يهدم الأمم والشعوب. وقد ذكرت في هذه السورة الكريمة بعض الحدود الشرعية التي فرضها الله كحد الزنى، وحد القذف، وحد اللعان، وكل هذه الحدود انما شرعت تطهيرا للمجتمع، من الفساد والفوضى، واختلاط الانساب، والانحلال الخلقى، وحفظا للأمة من عوامل التردي في بؤرة الإباحية والفساد، التي تسبب ضياع الأنساب، وذهاب العرض والشرف. وبإختصار فإن هذه السورة الكريمة عالجت ناحية من أخطر النواحي الاجتماعية هي (مسألة الاسرة) وما يحفها من مخاطر، وما يعترض طريقها من عقبات ومشاكل، تؤدي بها الى الانهيار ثم الدمار، هذا عدا عما فيها من آداب سامية، وحكم عالية، وتوجيهات رشيدة، الى أسس الحياة الفاضلة الكريمة، ولهذا كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الى اهل الكوفة يقول لهم : علموا نساءكم سورة النور.
التسمية : سميت (سورة النور) لما فيها من إشعاعات النور الرباني، بتشريع الأحكام والآداب، والفضائل الانسانية، التي هي قبس من نور الله على عباده، وفيض من فيوضات رحمته وجوده [ الله نور السموات والأرض ] اللهم نور قلوبنا بنور كتابك المبين يا رب العالمين. (١)
مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها المراد منه أنه تعالى شامل العلم، اللازم منه تمام القدرة، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي ( - ﷺ - )، اللازم منه شرف من اختاره لصحبته على منازل قربهم منه واختصاصهم به، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي مات النبي ( - ﷺ - ) وهو عنها راض، وماتت هي رضي الله عنها صالحة محسنة، وهذا هو المقصود بالذات ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات ) بسم الله ( الذي تمت كلمته فبهرت قدرته ) الرحمن ( الذي ظهرت الحقائق كلها بشمول رحمته ) الرحيم ( الذي شرف من اختاره بخدمته. (٢)
هذه سورة النور.. يذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات اللّه :«اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٥ / ٢٢٩)