الأولى: إثبات أن القرآن منزل من عند الله، والتنويه بالرسول المنزل عليه - ﷺ -، ودلائل صدقه، ورفعة شأنه عن أن تكون له حظوظ الدنيا، وأنه على طريقة غيره من الرسل، ومن ذلك تلقى قومه دعوته بالتكذيب.
الدعامة الثانية: إثبات البعث والجزاء، والإنذار بالجزاء في الآخرة، والتبشير بالثواب فيها للصالحين، وإنذار المشركين بسوء حظهم يومئذ، وتكون لهم الندامة على تكذيبهم الرسول وعلى إشراكهم واتباع أئمة كفرهم.
الدعامة الثالثة: الاستدلال على وحدانية الله، وتفرده بالخلق، وتنزيهه عن أن يكون له ولد أو شريك، وإبطال إلهية الأصنام، وإبطال ما زعموه من بنوة الملائكة لله تعالى.
وافتتحت في آيات كل دعامة من هذه الثلاث بجملة "تبارك الذي" الخ.
قال الطيبي: مدار هذه السورة على كونه - ﷺ - مبعوثا إلى الناس كافة ينذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم ولهذا جعل براعة استهلالها ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [الفرقان: ١].
وذكر بدائع من صنعه تعالى جمعا بين الاستدلال والتذكير.
وأعقب ذلك بتثبيت الرسول - ﷺ - على دعوته ومقاومته الكافرين.
وضرب الأمثال للحالين ببعثة الرسل السابقين وما لقوا من أقوامهم مثل قوم موسى وقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط.
والتوكل على الله، والثناء على المؤمنين به، ومدح خصالهم ومزايا أخلاقهم، والإشارة إلى عذاب قريب يحل بالمكذبين. (١)
مناسبتها لما قبلها
كانت سورة « النور » التي تسبق هذه السورة، نورا من نور الحق جلّ وعلا، سطع نورها في آفاق المجتمع الإسلامي، فجلا كل غاشية، وفضح كل ضلال وبهتان.
وكانت « سورة الفرقان » مكملة لهذه السورة، إذ قد استفتحت بتمجيد اللّه، الذي أفاض على عباده هذا الخير الكثير المبارك، بما نزّل من آيات بينات على نبيّه الكريم.. هى الفرقان، بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والنور والظلام.
فكان النور المشع من سورة النور كاشفا للشّبه، مجليا للشكوك والريب، مقيما أمر المسلمين على نور مبين.. وهذا النور الذي معهم من آيات اللّه، هو « الفرقان » الذي يفرقون به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال!. (٢)

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (١٩ / ٥)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (٩ / ١٣٤٢)


الصفحة التالية