الكذب والبهتان بقوله سبحانه :[ والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ] ؟ وبذلك ظهر الحق وبان. (١)
مقصودها أن هذا الكتاب بين في نفسه بإعجازه أنه من عند الله، مبين لكل ملتبس، ومن ذلك بيان آخر التي قبلها بتفصيلهن وتنزيله على أحوال الأمم وتمثيله، وتسكين أسفه ( - ﷺ - ) خوفاً من أن يعم أمته الهوان بعدم الإيمان، وأن يشتد قصدهم لأتباعه بالأذى والعدوان بما تفهمه ) سوف ( من طول الزمان، بالإشارة غلى إهلاك من علم منه دوام العصيان، ورحمة من أراده للهداية والإحسان، وتسميتها بالشعراء أدل دليل على ذلك بما يفارق به القرآن الشعر من علو مقامه، واستقامة مناهجه وعز مرامه، وصدق وعده ووعيده وعدل تبشيره وتهديده، وكذا تسميتها بالظلة إشارة إلى أنه أعدل في بيانه، أو أدل في جميع شأنه، من المقادير التي دلت عليها قصة شعيب عليه السلام بالمكيال والميزان، وأحرق من الظلة لمن يبارزه بالعصيان. (٢)
موضوع هذه السورة الرئيسي هو موضوع السور المكية جميعا.. العقيدة.. ملخصة في عناصرها الأساسية :
توحيد اللّه :«فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ».. والخوف من الآخرة :«وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».. والتصديق بالوحي المنزل على محمد رسول اللّه - ﷺ - :«وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ»..
ثم التخويف من عاقبة التكذيب، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين :«فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ»!.. «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».
ذلك إلى تسلية الرسول - ﷺ - وتعزيته عن تكذيب المشركين له وللقرآن :«لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» وإلى طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين وتثبيتهم على العقيدة مهما أو ذوا في سبيلها من الظالمين كما ثبت من قبلهم من المؤمنين.
وجسم السورة هو القصص الذي يشغل ثمانين ومائة آية من مجموع آيات السورة كلها. والسورة هي هذا القصص مع مقدمة وتعقيب. والقصص والمقدمة والتعقيب تؤلف وحدة متكاملة متجانسة، تعبر عن
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٥ / ٣٤٤)