قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا التَّأْلِيفُ مِنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ لِأَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ مِنْ إِعْجَازِهِ وَلَوْ كَانَ التَّأْلِيفُ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَرَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - لَسُوعِدَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينِ عَلَى طَعْنِهِمْ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَا طَعَنَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ وَضَمَّ إِلَيْهِ جَمَاعَةً فَتُوُهِّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّأْلِيفُ وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا بِأَجْوِبَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّمَا أُمِرَ بِجَمْعِهِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ الشَّرُّ وَالْخِلَافُ فَأَرَادَ عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنَ السَّبْعَةِ حَرْفًا وَاحِدًا هُوَ أَفْصَحُهَا وَيُزِيلُ السِّتَّةَ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فَلَا مَعْنَى لِجَمْعِهِ إِيَّاهُ إِلَّا عَلَى هَذَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا جَمَعَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْفَظُهُ لِتَقُومَ حُجَّتُهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِرَأْيِهِ وَقَدْ عَارَضَ بَعْضَ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ : لِمَ خُصَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِهَذَا وَفِي الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّبما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَشَّرَاهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ :" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ "
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَدَّمَ لِأَشْيَاءَ لَمْ تَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - وَمِنْهَا أَنَّ قِرَاءَتَهُ كَانَتْ عَلَى آخِرِ عَرْضَةٍ عَرَضَهَا النَّبِيُّ - ﷺ - عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - ﷺ - فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا قَالَ قَدْ تَأَوَّلَهُ هَذَا الْمُعَارِضُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَلَيْسَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَا وَسِعَ أَحَدًا أَنْ يَقْرَأَ إِلَّا بِحَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالتَّأْوِيلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ فَحَضَّ النَّبِيُّ - ﷺ - عَلَى تَرْتِيلٍ مِثْلِ تَرْتِيلِهِ لَا غَيْرُ وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طسم، فَقَالَ : لَا أَحْفَظُهَا سَلْ خَبَّابًا عَنْهَا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ حَضَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْعَرْضَةَ الْآخِرَةَ قِيلَ قَدْ ذَكَرْنَا مَا لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سِوَى هَذَا عَلَى أَنَّ حَرْفَ عَبْدِ اللَّهِ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمُصْحَفِنَا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَاصِمٍ وَقَرَأَ عَاصِمٌ عَلَى زَرٍّ وَقَرَأَ زَرٌّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ (١)
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ :" أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمِئِينِ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ "