وتكذيبهم برسالاتهم، وإنزال العقاب الأليم بهم، وتنبّه إلى ما أنعم اللّه به على داود وسليمان من النعم العظمى، بهبة النبوة والملك والسلطان، وتسخير الجن والإنس والطير، وإذعان الملكة بلقيس لدعوة سليمان.
وفي هذا حكمة بالغة لأصحاب السلطة هي اتخاذ السلطان والنفوذ سبيلا للدعوة إلى اللّه جل جلاله.
وتلا ذلك بيان الأدلة والبراهين على وجود اللّه وتوحيده من خلق الكون :
سمائه وأرضه، بره وبحره، وإلهام الإنسان الإفادة من كنوز الأرض، والهداية في ظلمات البر والبحر، وإمداده بالأرزاق الوفيرة، ومفاجأته بأهوال يوم القيامة ومغيبات الأحداث، وسعة علم اللّه، وتعاقب الليل والنهار.
وأنكرت السورة بعدئذ على المشركين تكذيبهم بالبعث والحشر والنشور، وألزمت بني إسرائيل بالاحتكام إلى القرآن في خلافاتهم وخصوماتهم، وتحدثت عن أشراط الساعة، كخروج دابة الأرض، وحشر فوج من كل أمة، وتسيير الجبال، ثم ذكّرت بالنفخ في الصور لجمع الناس ومجيئهم داخرين صاغرين للّه تعالى.
وختمت السورة بتصنيف الناس إلى سعداء أبرار، وأشقياء فجار، وجزاء كلّ بما يستحق خيرا أو شرا، وإعلام المشركين بوجوب عبادة اللّه وحده، والتخلي عن عبادة الأصنام والأوثان، والالتزام بمنهج القرآن ودستوره في الحياة لأنه نور وهداية، ومن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعليها، وتعريفهم بآيات اللّه العظمى في وقت لا ينفعهم فيه شيء غير الإيمان باللّه وحده، وتعرضهم للجزاء الحتمي عن جميع أعمالهم.
والخلاصة : أن ما ذكر في هذه السورة يدعو إلى المبادرة إلى الإيمان باللّه تعالى ربا وإلها لا شريك له، والتصديق بالبعث طريقا لإنصاف الخلائق، واتخاذ القرآن نبراسا ودستورا للحياة الإنسانية. (١)
وجه اتصالها بما قبلها أنها كالتتمة لها حيث زاد سبحانه فيها ذكر داود وسليمان وبسط فيها قصة لوط عليه السلام أبسط مما هي قبل وقد وقع فيها إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً [النمل : ٧] إلخ وذلك كالتفصيل لقوله سبحانه فيما قبل : فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ الشعراء : ٢١] وقد اشتمل كل من السورتين على ذكر القرآن وكونه من اللّه تعالى وعلى تسليته - ﷺ - إلى غير ذلك، وروي عن ابن عباس وجابر بن زيد أن الشعراء نزلت ثم طس ثم القصص. (٢)
(٢) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٠ / ١٥١)