الناس وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس! وساق لهم قصة قارون تقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى وتؤكدها.
وعقب على مقالتهم «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا؟ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ».. يذكرهم بأنه هو الذي آمنهم من الخوف فهو الذي جعل لهم هذا الحرم الآمن وهو الذي يديم عليهم أمنهم، أو يسلبهم إياه ومضى ينذرهم عاقبة البطر وعدم الشكر :«وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ».
ويخوفهم عاقبة أمرهم بعد أن أعذر إليهم وأرسل فيهم رسولا. وقد مضت سنة اللّه من قبل بإهلاك المكذبين بعد مجيء النذير :«وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ».
ثم يعرض عليهم مشهدهم يوم القيامة حين يتخلى عنهم الشركاء على رؤوس الأشهاد فيبصرهم بعذاب الآخرة بعد أن حذرهم عذاب الدنيا وبعد أن علمهم أين يكون الخوف وأين يكون الأمان.
وتنتهي السورة بوعد من اللّه لرسوله الكريم وهو مخرج من مكة مطارد من المشركين بأن الذي فرض عليه القرآن لينهض بتكاليفه، لا بد رادّه إلى بلده، ناصره على الشرك وأهله. وقد أنعم عليه بالرسالة ولم يكن يتطلع إليها وسينعم عليه بالنصر والعودة إلى البلد الذي أخرجه منه المشركون. سيعود آمنا ظافرا مؤيدا. وفي قصص السورة ما يضمن هذا ويؤكده. فقد عاد موسى - عليه السّلام - إلى البلد الذي خرج منه خائفا طريدا. عاد فأخرج معه بني إسرائيل واستنقذهم، وهلك فرعون وجنوده على أيدي موسى وقومه الناجين.. ويختم هذا الوعد ويختم السورة معه بالإيقاع الأخير :«وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».
هذا هو موضوع السورة وجوها وظلالها العامة، فلنأخذ في تفصيل أشواطها الأربعة : قصة موسى. والتعقيب عليها. وقصة قارون. وهذا الوعد الأخير.. (١)
خلاصة ما تحويه السورة الكريمة من الأغراض
(١) استعلاء فرعون وإفساده فى الأرض.
(٢) استضعافه بنى إسرائيل وقتله أبناءهم واستبقاؤه نساءهم.
(٣) منته تعالى على بنى إسرائيل بإنقاذهم من بأس فرعون وجعلهم أئمة فى أمر الدين والدنيا ووراثتهم أرض الشام.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٥ / ٢٦٧٣)


الصفحة التالية
Icon