وضرب المثل لاتخاذ المشركين أولياء من دون الله بمثل وهي بيت العنكبوت. (١)
مناسبتها لما قبلها
كان ختام سورة القصص دعوة إلى النبيّ الكريم، وإلى المؤمنين جميعا، أن يكون ولاؤهم كلّه للّه، ولدين اللّه، وأن يكون ما بينهم وبين أهليهم وذوى قرابتهم، من وراء هذا، وأنه لا بأس إذا قطع الإنسان، رحمه، وعادى أهله في سبيل دينه، إذا كان في صلة الرحم، وموادّة الأهل، ما يجور على الدين. وقد كان.. ثم كان بدء سورة « العنكبوت » إعلانا صريحا للمؤمنين، بما انطوى عليه ختام سورة « القصص » وهو أن الإيمان له تبعاته وأعباؤه التي يجب أن يتحملها المؤمنون في رضا، وأن يتقبلوها في صبر واحتساب لما وعدهم به اللّه سبحانه وتعالى، من ثواب عظيم، وأجر كريم. فالمؤمن في وجه فتن كثيرة، ترد عليه من أكثر من جهة.. من نزعات نفسه، ومن وساوس شياطين الإنس والجنّ، ومن دفاع عن دين اللّه، الذي يكيد له الكائدون، ويبغى عليه الباغون.. كما سنرى ذلك في شرح الآيات التي بدئت بها هذه السورة. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة العنكبوت هي السورة التاسعة والعشرون في ترتيب المصحف، وكان نزولها بعد سورة الروم، أى : أنها من أواخر السور المكية في النزول، إذ أن ترتيبها في النزول الثالثة والثمانون من بين السور المكية، ولم ينزل بعدها قبل الهجرة سوى سورة المطففين وعدد آياتها تسع وستون آية.
٢ - وجمهور العلماء على أنها مكية، ومنهم من يرى أن فيها آيات مدنية.
قال الآلوسى : عن ابن عباس أنها مكية وذهب إلى ذلك - أيضا - الحسن وجابر وعكرمة. وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة... وقال يحيى بن سلام : هي مكية، إلا من أولها إلى قوله - تعالى - : وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ....
والذي تطمئن إليه النفس أن سورة العنكبوت كلها مكية، وليس هناك روايات يعتمد عليها في كون بعض آياتها مدنية.
٣ - وقد افتتحت سورة العنكبوت ببعض الحروف المقطعة الم، ثم تحدثت عن تكاليف الإيمان، وأنه يستلزم الامتحان والاختبار، ليميز اللّه الخبيث من الطيب، وعن الحسنة التي أعدها - سبحانه - لعباده المؤمنين الصادقين. قال - تعالى - : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ.
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٠ / ٣٩٩)