٩ - ثم ساق - سبحانه - في أواخر السورة، ألوانا من تناقضات المشركين، حيث إنهم إذا سألهم سائل عمن خلق السموات والأرض... قالوا : اللّه - تعالى - هو الذي خلقهما، ومع ذلك فهم يشركون معه في العبادة آلهة أخرى، وإذا أحاط بهم الموج وهم في السفن...
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ، وهم يعيشون في حرم آمن، والناس يتخطفون من حولهم.. ومع ذلك فهم بالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه يكفرون.
هذا شأنهم، أما المؤمنون الصادقون فقد وعدهم اللّه - تعالى - بما يقر أعينهم فقال في ختام السورة : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
١٠ - وهكذا نرى هذه السورة الكريمة، وقد حدثتنا - من بين ما حدثتنا - عن الإيمان وتكاليفه، وعن سنن اللّه في خلقه، وعن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، وعن هوان الشرك والشركاء، وعما يعين المؤمن على طاعة اللّه، وعن علاقة المؤمنين بغيرهم، وعن البراهين الساطعة الناطقة بأن هذا القرآن من عند اللّه، وعن أن المؤمن لا يليق به أن يقيم في مكان لا يستطيع فيه أن يؤدى شعائر دينه، وعن سوء عاقبة الأشرار، وحسن عاقبة الأخبار... (١)
في السورة تنبيه على أن المؤمنين معرضون للامتحان الذي يظهر به صدق إيمانهم. وصورة لبعض ضعفاء الإيمان وتنديد بهم. وتقرير بأن واجب الطاعة للوالدين والإحسان إليهما قاصر على غير الشرك. وحكاية لبعض أساليب الإغراء والدعاية التي كان يعمد إليها زعماء الكفار لصدّ المسلمين وردّهم. وسلسلة قصصية احتوت أخبار نوح وإبراهيم ولوط وشعيب وأممهم. وإشارات إلى مواقف عاد وثمود وفرعون. وصور العذاب الذي حاق بالمكذبين. وعناية اللّه بالأنبياء والمؤمنين في معرض التنديد والتذكير والتطمين معا. وحكاية لمواقف جدل ومناظرة بين النبي - ﷺ - والكفار وأهل الكتاب في صدد القرآن. وحثّ للمسلمين على الصبر والثبات على الحقّ والهجرة في سبيل اللّه والاعتماد عليه. وتنديد بالمشركين لما يبدو منهم من تناقض في عقائدهم باللّه ومواقفهم من الدعوة إليه.
وأكثر فصول السورة منسجمة مع بعضها بقوة. وباقيها ليس منقطعا عنها صورا وموضوعا. ولهذا نرجّح أنها نزلت متتابعة بدون فاصل.
وقد روي أن الآيات [١ - ١١] مدنيات وقد شكّكنا في ذلك في التعليقات التي علقناها في سياق تفسيرها. (٢)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٤٦٥)