وأعقب ذلك إيراد بعض الأدلة الكونية الناطقة بقدرة اللّه والدالة على وحدانيته من إرسال الرياح مبشرات بالرحمة، وتسيير السفن في البحار، وتمكين المسافرين من التجارة وابتغاء فضل اللّه في أقطار الأرض، والدلائل الملحوظة في الأنفس من خلق ثم رزق، ثم إماتة، ثم إحياء.
وختمت السورة بتسلية الرسول - ﷺ - عن إعراض قومه عن الإيمان برسالته بأنهم أغلقوا منافذ الهداية، وعطلوا طاقات الفكر والعقل عن النظر في وسائل الوصول إلى الإيمان باللّه، فهم صمّ عمي لا يسمعون ولا يبصرون، وأنهم مهما رأوا من الآيات، وشاهدوا من البراهين والمعجزات، لن يؤمنوا بسبب العناد، والتشبث بمواقع الكفر، والحفاظ على مراكز الزعامة والنفوذ بين العرب.
وهذا يقتضي الصبر على أذى المشركين حتى يأتي النصر، ومتابعة القيام بواجب تبليغ الرسالة، فإنه قد يهتدي بعضهم أو غيرهم، وسيكون النصر في جانب الرسول - ﷺ -، والخذلان لمن كذب به، ولن يؤثر في مسيرة دعوته كفر الذين لا يوقنون بالبعث بعد الممات. (١)
مكية، وعدد آياتها ستون آية : وهي تدور حول إثبات أن الأمر للّه من قبل ومن بعد، مع ذكر بعض صفات اللّه الواجبة له، وتهديد المشركين، وبيان أن الإسلام دين الفطرة، وبيان طبيعة الإنسان، ويلاحظ فيها ذكر الآيات الكونية الدالة على العلم والقدرة والوحدانية كثيرا. (٢)
وجه اتصالها بالسورة السابقة على ما قاله الجلال السيوطي أنها ختمت بقوله تعالى : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت : ٦٩] وافتتحت هذه بوعد من غلب من أهل الكتاب بالغلبة والنصر وفرح المؤمنين بذلك وأن الدولة لأهل الجهاد فيه ولا يضرهم ما وقع لهم قبل ذلك من هزيمة، هذا مع تواخيها لما قبلها في الافتتاح - بالم - ولا يخفى أن قتال أهل الكتاب ليس من المجاهدة في اللّه عزّ وجلّ وبذلك تضعف المناسبة، ومن وقف على أخبار سبب النزول ظهر له أن ما افتتحت به هذه السورة متضمنا نصرة المؤمنين بدفع شماتة أعدائهم المشركين وهم لم يزالوا مجاهدين في اللّه تعالى ولأجله ولوجهه عزّ وجلّ ولا يضر عدم جهادهم بالسيف عند النزول، وهذا في المناسبة أوجه فيما أرى من الوجه الذي ذكره الجلال فتأمل. (٣)
سورة الروم مكية، وأهدافها نفس أهداف السورة المكية، التي تعالج قضايا العقيدة الإسلامية، في إظارها العام وميدانها الفسيح " الإيمان بالوحدانية، وبالرسالة، وبالبعث والجزاء ".
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ١٣)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١١ / ١٨)