قيل نزلت يوم بدر في علي بن أبي طالب والوليد ابن عقبة وسيأتي إبطاله. وزاد بعضهم آيتين ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ إلى ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٦، ١٧] لما روي في سبب نزولها وهو ضعيف. والذي نعول عليه أن السورة كلها مكية وأن ما خالف ذلك إن هو إلا تأويل أو إلحاق خاص بعام كما أصلنا في المقدمة الخامسة. نزلت بعد سورة النحل وقبل سورة نوح، وقد عدت الثالثة والسبعين في النزول. وعدت آياتها عند جمهور العادين ثلاثين، وعدها البصريون سبعا وعشرين.
من أغراض هذه السورة
أولها التنويه بالقرآن أنه منزل من عند الله، وتوبيخ المشركين على ادعائهم أنه مفترى بأنهم لم يسبق لهم التشرف بنزول كتاب. والاستدلال على إبطال إلهية أصنامهم بإثبات انفراد الله بأنه خالق السماوات والأرض ومدبر أمورهما. وذكر البعث والاستدلال على كيفية بدء خلق الإنسان ونسله، وتنظيره بإحياء الأرض، وأدمج في ذلك أن إحياء الأرض نعمة عليهم كفروا بمسديها. والإنحاء على الذين أنكروه ووعيدهم. والثناء على المصدقين بآيات الله ووعدهم، ومقابلة إيمانهم بكفر المشركين، ثم إثبات رسالة رسول عظيم قبل محمد - ﷺ - هدى به أمة عظيمة. والتذمير بما حل بالمكذبين السابقين ليكون ذلك عظة للحاضرين، وتهديدهم بالنصر الحاصل للمؤمنين. وختم ذلك بانتظار النصر. وأمر الرسول - ﷺ - بالإعراض عنه تحقيرا لهم، ووعده بانتظار نصره عليهم.
ومن مزايا هذه السورة وفضائلها ما رواه الترمذي (١) والنسائي وأحمد والدرامي عَنْ جَابِرٍ " " أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ " ﴿الم تَنْزِيلُ﴾ [السجدة: ١، ٢] و ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك: ١]. (٢)
مناسبتها لما قبلها
جاء في آخر السورة السابقة ـ سورة لقمان ـ قوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ».. وقد تضمنت هذه الآية أمورا خمسة، جعلت علمهن مما استأثر اللّه سبحانه وتعالى بعلمه وليس لعلم الإنسان سبيل إليهن.. وقد جاء في هذه السورة ـ سورة السجدة ـ بيان شارح لهذه الأمور.. ومؤكد لتقريرها.. كما سنرى. (٣)
مقدّمة
(٢) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢١ / ١٣٨)
(٣) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٥٩٨)