وعمر وعثمان لزيد أصدق من تقدير ابن مسعود له كيف وقد عرفت فيما سبق مجموعة المؤهلات والمزايا التي توافرت فيه حتى جعلته الجدير بتنفيذ هذه الغاية السامية أضف إلى ذلك أن عثمان ضم إليه ثلاثة ثم كان هو وجمهور الصحابة مشرفين عليهم مراقبين لهم وناهيك في عثمان أنه كان من حفاظ ومعلمي القرآن وخلاصة هذا الجواب أن اعتراض ابن مسعود على فرض صحته كان منصبا على طريقة تأليف لجنة الجمع لا على صحة نفس الجمع مع أن كلمة ابن مسعود السالفة لا تدل على أكثر من أنه كان يكبر زيدا بزمن طويل إذ كان عبد الله مسلما وزيد لا يزال ضميرا مستترا في صلب أبيه وليس هذا بمطعن في زيد فكم ترك الأول للآخر ولو كان الأمر بالسن لاختل كثير من نظام الكون ثم إن كلمة ابن مسعود ربما يفهم منها الطعن في زيد من ناحية أن أباه كان كافرا ولكن هذا ليس بمطعن فكثير من أكابر الصحابة كانوا في مبدأ أمرهم كفارا وخرجوا من أصلاب آباء كافرين والله تعالى يقول !< ولا تزر وازرة وزر أخرى >! ٦ الأنعام ١٦٤ ويقول !< قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف >! ٨ الأنفال ٣٨ ثانيا أننا إذا سلمنا صحة ما نقل عن ابن مسعود وسلمنا أنه أراد الطعن في صحة جمع القرآن لا نسلم أنه دام على هذا الطعن والإنكار بدليل ما صح عنه أنه رجع إلى ما في مصحف عثمان وحرق مصحفه في آخرة الأمر حين تبين له أن هذا هو الحق وبدليل ما صح عنه من قراءة عاصم عن زرعة وقد تقدم ثالثا أن كلام ابن مسعود هذا على تسليم صحته وأنه أراد به الطعن في صحة الجمع وأنه دام عليه ولم يرجع عنه لا نسلم أنه يدل على إبطال تواتر القرآن فإن التواتر كما أسلفنا يكفي في القطع بصحة مرويه أن ينقل عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب بشروطه وليس من شروطه ألا يخالف فيه مخالف حتى يقدح في تواتر القرآن أن يخالف فيه ابن مسعود أو غير ابن مسعود ما دام جم غفير من الصحابة قد أقروا جمع القرآن على هذا النحو في عهد أبي بكر مرة وفي عهد عثمان مرة أخرى
الشبهة الخامسة يقولون كيف يكون القرآن متواترا مع ما يروى عن زيد بن ثابت أنه قال في الجمع على عهد أبي بكر ما نصه فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره وهما لقد جاءكم رسول إلى آخر السورة ثم كيف يكون القرآن متواترا مع ما يروى أيضا عن زيد بن ثابت أنه قال في الجمع على عهد عثمان ما نصه فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله - ﷺ - يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله - ﷺ - شهادته بشهادة رجلين !< من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه >! ٣٣ الأحزاب ٢٣ والجواب على هذه الشبهة أولا أن كلام زيد بن ثابت هذا لا يبطل التواتر وبيان ذلك أن الآيتين ختام سورة التوبة لم تثبت قرآنيتهما بقول أبي خزيمة وحده بل ثبتت بأخبار كثرة غامرة من الصحابة عن حفظهم في صدورهم وإن لم يكونوا كتبوه في أوراقهم ومعنى


الصفحة التالية
Icon