* ثم ذكر القرآن شبهة المشركين السخيفة، في إنكارهم للبعث والنشور، ورد عليها بالحجج القاطعة، والأدلة الساطعة، التي تنتزع الحجة من الخصم الجاحد العنيد، فلا يلبث أن يقر على نفسه بالهزيمة، أمام قوارع القرآن، وروائع الحجة والبيان [ وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ] الآيات.
* وختمت السورة بالحديث عن يوم الحساب، وما أعد الله فيه للمؤمنين المتقين، من النعيم الدائم في جنات الخلد، وما أعده للمجرمين من العذاب والنكال في دار الجحيم [ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ؟ لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون الآيات
التسمية : سميت " سورة السجدة " لما فيها من أوصاف المؤمنين الأبرار، الذين إذا سمعوا آيات القرآن العظيم [ خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ] (١).
مقصودها إنذار الكفار بهذا الكتاب السار للأبرار بدخول الجنة والنجاة من النار، واسمها السجدة منطبق على ذلك بما دعغت إليه آيتها من الإخبات وترك الاستكبار، وكذا تسميتها بآلم تنزيل فإنه مشير إلى تأمل جميع السورة، فهو في غاية الوضوح في هذا المقصود (٢)
هذه السورة المكية نموذج آخر من نماذج الخطاب القرآني للقلب البشري بالعقيدة الضخمة التي جاء القرآن ليوقظها في الفطر، ويركزها في القلوب : عقيدة الدينونة للّه الأحد الفرد الصمد، خالق الكون والناس، ومدبر السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من خلائق لا يعلمها إلا اللّه. والتصديق برسالة محمد - ﷺ - الموحى إليه بهذا القرآن لهداية البشر إلى اللّه. والاعتقاد بالبعث والقيامة والحساب والجزاء.
هذه هي القضية التي تعالجها السورة وهي القضية التي تعالجها سائر السور المكية. كل منها تعالجها بأسلوب خاص، ومؤثرات خاصة تلتقي كلها في أنها تخاطب القلب البشري خطاب العليم الخبير، المطلع على أسرار هذه القلوب وخفاياها، ومنحنياتها ودروبها، العارف بطبيعتها وتكوينها، وما يستكن فيها من مشاعر، وما يعتريها من تأثرات واستجابات في جميع الأحوال والظروف.
وسورة السجدة تعالج تلك القضية بأسلوب وبطريقة غير أسلوب وطريقة سورة لقمان السابقة. فهي تعرضها في آياتها الأولى ثم تمضي بقيتها تقدم مؤثرات موقظة للقلب، منيرة للروح، مثيرة للتأمل والتدبر كما تقدم أدلة وبراهين على تلك القضية معروضة في صفحة الكون ومشاهده وفي نشأة الإنسان وأطواره وفي مشاهد من اليوم الآخر حافلة بالحياة والحركة وفي مصارع الغابرين وآثارهم الناطقة بالعبرة لمن يسمع لها ويتدبر منطقها! كذلك ترسم السورة صورا للنفوس المؤمنة في خشوعها وتطلعها إلى ربها. وللنفوس

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٢٤)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٦ / ٤٢)


الصفحة التالية
Icon