بعض الخير، الذي قد يجعل للشر وجها يحتمل عليه، ويبّرر الأخذ به.. فهل في هذا الشر أية لمحة من لمحات الخير ؟.
والذي نقطع به أن هذا العمل شر محض، وإن زين أهله ظاهره بهذا الطلاء الزائف، تحت شعار الدراسة التاريخية للقرآن، على نحو الدراسة الجغرافية، أو الدراسة النفسية، أو غير ذلك من الدراسات التي تضاف إلى القرآن، وتدور في فلكه، دون أن تمس الصميم منه..
ولا نقف طويلا في مواجهة هذه الفتنة، ولا نمعن النظر كثيرا في وجهها الكئيب المشئوم.. وننظر في كتاب اللّه، الذي في أيدينا، نظرا مباشرا، على ما تركه فينا من أنزل إليه هذا الكتاب ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ فهذا هو القرآن الذي أمرنا بالتعبد به تلاوة، والعمل بأحكامه، وآدابه على ما نتلوه عليه.. فهذا هو قرآننا، وهذا هو ديننا الذي نتلقاه من كتابنا.. وإن أية تلاوة تقوم على غير هذا الوجه، هى كلام، لا قرآن، وإن أية شريعة تقوم على غير هذه التلاوة ليست من شريعة الإسلام، ولا من دين اللّه، سواء التقت مع شريعة اللّه أو لم تلتق معها، وسواء أوافقت دين الإسلام، أو خالفته..
نقول هذا، ونحن على علم، وعلى إيمان بأن القرآن الكريم نزل منجما، ولم ينزل جملة واحدة، وأنه كان في مرحلة نزوله، على ترتيب غير هذا الترتيب الذي انتهى إليه، بعد أن تم نزوله!.
فهناك دوران قام عليهما بناء القرآن الكريم.. دور الدعوة.. ثم الدور الذي تلاها.. ولكل من الدورين أسلوبه، وغايته.
القرآن في دور الدعوة :
ونزول القرآن في دور الدعوة، قام على أسلوب خاص، من حيث تنجيم النزول، وترتيبه معا.. فمن حيث التنجيم.. لم ينزل القرآن جملة واحدة.. بل نزل آية آية، وآيات آيات، حسب مقتضيات الدعوة، ومستلزمات أحداثها.. وقد بين اللّه سبحانه وتعالى الحكمة في هذا، فقال تعالى :« وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا » (١٠٦ : الإسراء) كما زاد ذلك بيانا في قوله سبحانه :« وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ؟.. كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً » (٣٢ ـ ٣٣ الفرقان).
ومن حيث ترتيب النزول.. فقد نزل القرآن لغاية تحقق أمرين :
أولهما : اقتلاع الشرك، الذي كان قد استولى على الحياة الإنسانية كلها، واغتال مواطن الإيمان في كل بقعة منها.. ليقيم في الأرض مكانا للإيمان باللّه، حتى يعتدل ميزان الإنسانية، ويكون لها نهار يدور في فلكها، مع هذا الليل الطويل الذي تعيش فيه..