. وقد عرضنا لموضوع النسخ في أكثر من موضع.. فلا نعرض له هنا.. وإنما الذي نقف عنده من هذا الخبر ـ على اعتبار صحته ـ هو : كيف كانت سورة الأحزاب تعادل سورة البقرة ؟ فما تأويل هذا ؟ وكيف أصبحت سورة الأحزاب ثلاثا وسبعين آية بينما سورة البقرة تبلغ مائتين وستا وثمانين آية ؟
والجواب على هذا، أن سورة الأحزاب كانت تعدل في طولها أو امتدادها سورة البقرة، وأنه في العرضة أو العرضات التي كانت بين جبريل، وبين النبي أخذت كثير من الآيات في سورة الأحزاب مواضعها من سور القرآن المكّى، أو المدنىّ، حتى صارت على هذه الصورة التي هى عليها.. وعلى هذا فلم يكن قرآن رفع منها، رفع نسخ، تلاوة وحكما، بل الذي كان هو قرآن رفع منها إلى مواضع أخرى من القرآن.. كما حدث ذلك في كثير من آيات القرآن..
ونعود إلى ما كنا فيه من ترتيب القرآن بعد دور الدعوة، فنقول : إنه وقد انتهى دور الدعوة، وأدى الرسول رسالة ربه، ودالت دولة الشرك، ودخل الناس في دين اللّه أفواجا ـ كان لا بد أن ترتب آيات اللّه، على هذا الترتيب الذي أمر اللّه به، بعد أن نزلت آخر آية من القرآن الكريم.. فقد كان الترتيب النزولى مقدّرا بحاجة الدعوة في مسيرتها من مبدئها إلى ختامها، وموقوتا بهذا الوقت الذي يكمل فيه نزول القرآن.. فلما تم نزول القرآن، وختم الرسول دعوته، أخذ القرآن هذا الترتيب السّماوى، الذي يعيش في ظله، مجتمع مسلم، آمن باللّه، وبآيات اللّه، ورسول اللّه.. ولم بعد من تدبير القرآن أن يواجه الناس آية آية، أو آيات آيات، أو يلقاهم حالا بعد حال، وحدثا إثر حدث، وإنما الذي يلقاهم منذ ختام الرسالة كتاب اللّه جميعه.. كأنه آية واحدة هى شريعة اللّه، ودستور المسلمين..
لقد كان القرآن في دور الدعوة يعمل في أكثر من جبهة، فهناك جبهة المشركين.. ثم جبهة أهل الكتاب وخاصة اليهود، ثم جبهة المنافقين.. ثم قبل هؤلاء وأولئك جميعا جبهة المؤمنين، الذين يتلقون هدى السماء، وينشّئون فى حجر الإسلام.. فكان للقرآن مع كل جبهة موقف، وإلى كل طائفة قول، فلما أتم القرآن رسالته، لم تعد إلا جبهة المؤمنين، هى وحدها التي يعنيه أمرها، وهى التي ستصحبه، وتعيش في ظله.. جيلا بعد جيل، إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.. فكان هذا الترتيب الذي رتب عليه القرآن بأمر اللّه، إلغاء لعنصر الزمن، الذي يحدد بدء القرآن ونهايته، ومولده وفطامه.. فهو كلام اللّه، القديم أزلا، الخالد أبدا..
وبعد، فإن هذه الفتنة أخطر سلاح يحارب به الإسلام، ويرمى به في الصميم منه.. وأنه لو قدر لها ـ لا قدّر اللّه ـ أن تجد في المسلمين من يستمع لها، أو يغمض العين عنها، لأتت على الإسلام، ولنالت منه ما لم تنله السيوف والحراب التي وجهها أعداء الإسلام من يوم أن ظهر الإسلام، إلى يوم الناس هذا.. فليتنبه المسلمون إلى هذا الخطر، وليرصدوا له كل ما لديهم من إيمان باللّه وبكتاب اللّه، وليضربوا