هذا، ولقد روي عن عائشة أم المؤمنين :«أن هذه السورة كانت تقرأ مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر إلّا ما هو الآن» «١». وقد روى المفسر النسفي :«أن أبيّ بن كعب سأل أبا ذرّكم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثا وسبعين فقال والذي يحلف أبي به إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول». ولقد قرأنا منها آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم). وقد حمل النسفي - راوي الحديث - كلام أبي على أن المقصد منه هو الإشارة إلى ما نسخ من القرآن في عهد النبي. غير أن حديث عائشة صريح بأنها تقصد أن إسقاط معظم السورة كان في زمن عثمان.
والحديثان غير موثقين ولم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة والتوقف فيهما أولى. ومن الجدير بالذكر أن مصحف عثمان إنما نقل عن المصحف الذي حرر في زمن أبي بكر رضي اللّه عنهما فلم يكن أي احتمال لإسقاط معظم السورة من مصحف عثمان. ولقد كانت عائشة ذات شخصية قوية ومن مراجع القرآن والسنّة ولا يعقل أن تسكت عن هذا الإسقاط لو كان واقعا ولا يعقل أن يهمل اعتراضها.
ومع ما في تعليل النسفي لحديث أبي بن كعب من وجاهة فإننا نشك في أن يكون قد وقع نسخ آيات أو فصول كثيرة من السورة في عهد النبي - ﷺ -. فإن مثل هذا الحادث الخطير لا يعقل أن لا يرد فيه روايات وثيقة تحتوي بيانات وافية. (١)
سورة الأحزاب مدنية، وهي ثلاث وسبعون آية.
تسميتها :
سميت سورة الأحزاب لاشتمال الكلام فيها على وقعة الخندق أو الأحزاب الذين تجمعوا حول المدينة، من مشركي قريش وغطفان، بالتواطؤ مع المنافقين ويهود بني قريظة، لحرب المسلمين ومحاولة استئصالهم، كما سميت (الفاضحة) لأنها افتضحت المنافقين، وأبانت شدة إيذائهم لرسول اللّه - ﷺ - في أزواجه وتألبهم عليه في تلك الموقعة.
مناسبتها لما قبلها :
تظهر صلة هذه السورة بسورة السجدة التي قبلها في وجوه التشابه بين مطلع هذه وخاتمة تلك، فإن السورة السابقة ختمت بأمر النبي - ﷺ - بالإعراض عن الكافرين، وانتظار عذابهم، وهذه بدئت بأمره - ﷺ - بالتقوى، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، واتباع ما أوحي إليه من ربه، والتوكل عليه.
موضوعها :

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٧ / ٣٤٥)


الصفحة التالية