لعهودهم حيث أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً...
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان سعة رحمته بالناس فقال : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ، وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً.
٩ - وهكذا نرى سورة فاطر قد طوفت بالنفس الإنسانية في أرجاء هذا الكون، وأقامت الأدلة على وحدانية اللّه - تعالى - وقدرته. عن طريق نعم اللّه - تعالى - المبثوثة في الأرض وفي السماء، وفي الليل وفي النهار، وفي الشمس وفي القمر : وفي الرياح وفي السحب، وفي البر وفي البحر.. وفي غير ذلك من النعم التي سخرها - سبحانه - لعباده.
كما نراها قد حددت وظيفة الرسول - ﷺ - وساقت له ما يسليه ويزيده ثباتا على ثباته، وما يرشد كل عاقل إلى حسن عاقبة الأخيار، وسوء عاقبة الأشرار. (١)
في السورة إنذار للناس ودعوة إلى الحق. ولفت نظر إلى الكون ونواميسه للبرهنة على ربوبية اللّه تعالى واستحقاقه وحده للعبادة. وتنويه بالمؤمنين المخلصين وتنديد بالكافرين وبيان مصير كل منهم. وإشارة إلى تمني العرب بعثة رسول فيهم والأسباب التي جعلتهم يناوئون النبي - ﷺ - حينما بعثه اللّه، وقد تكررت في السورة تسلية النبي - ﷺ - مما يلقاه من تكذيب قومه مما يدل على أنها نزلت في ظروف كان النبي - ﷺ - فيها حزينا شديد الحسرة.
والسورة شطران أحدهما عام التوجيه، وثانيهما موجه للكفار السامعين.
وآيات كل من الشطرين منسجمة، كما أنه ليس بينهما انفصال وتغاير بحيث بسوغ القول أن فصول السورة نزلت متلاحقة حتى تمت. ويسميها بعض المفسرين بسورة الملائكة (٢)
سورة فاطر مكيّة، وهي خمس وأربعون آية
تسميتها :
تسمى سورة «فاطر» لافتتاحها بهذا الوصف للّه عز وجل الدال على الخلق والإبداع والإيجاد للكون العظيم، والمنبئ عن عظمة الخالق وقدرته الباهرة. كما تسمى أيضا سورة «الملائكة» لأنها أفادت في مطلعها أيضا أن اللّه سبحانه جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه لتبليغهم رسالاته وأوامره.
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٣ / ١٠٧)