الحتمي الناجم عن كل ذلك، وهو قدرة اللّه الباهرة على إيجاد الأشياء بأسرع مما يتصور الإنسان، وأنه الخالق المالك لكل شيء في السموات والأرض.
والخلاصة : أن السورة كلها إيقاظ شديد للمشاعر والوجدان، وتحريك قوي للأحاسيس، وفتح نفّاذ للقلوب، لكي تبادر إلى الإقرار بالخالق وتوحيده، والإيمان بالبعث والجزاء.
قال النبي - ﷺ - في كتاب أبي داود عن معقل بن يسار :«اقرؤوا يس على موتاكم». (١)
وهي مكية بالإجماع كما حكى القرطبي، وعدد آياتها ثلاث وثمانون آية، وقد ذكر في فضلها أحاديث كثيرة، واللّه أعلم بصحتها.
وهي كالسور المكية المفتتحة بأحرف هجائية تعرضت للقرآن الكريم والنبي - ﷺ - وإثبات البعث، ثم ضرب الأمثال، وذكر القصص، والتعرض للآيات الكونية، ومناقشة الكفار في بعض عقائدهم وأفعالهم، ثم ذكر صور لمشاهد يوم القيامة، والتعرض لمبدأ التوحيد والبعث مع الاستدلال بالمشاهد المحسوسة على ذلك، وتفنيد شبهة المشركين وقطع حججهم، وكل هذه الموضوعات ترمى إلى فتح قلوب غلف، وإحياء نفوس طال عليها الأمد حتى قست فأصبحت كالحجارة أو أشد. (٢)
صح من حديث الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة والطبراني وغيرهم عن معقل بن يسار أن رسول اللّه - ﷺ - قال : يس قلب القرآن (٣)، وعد ذلك أحد أسمائها، وبين حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة وجه إطلاق ذلك عليها بأن المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها على أبلغ وجه وأحسنه ولذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه واستحسنه الإمام الرازي، وأورد على ظاهره أن كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر والنشر بذلك. وأجيب بأن المراد بالصحة في كلام الحجة ما يقابل السقم والمرض ولا شك أن من صح إيمانه بالحشر يخاف من النار ويغرب في الجنة دار الأبرار فيرتدع عن المعاصي التي هي كأسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف ويشتغل بالطاعات التي هي كحفظ الصحة ومن لم يقو إيمانه به كان حاله على العكس فشابه الاعتراف به بالقلب الذي بصلاحه يصلح البدن وبفساده يفسد، وجوز أن يقال وجه الشبه بالقلب أن به صلاح البدن وفساده وهو غير مشاهد في الحس وهو محل لانكشاف الحقائق والأمور الخفية وكذا الحشر من المغيبات وفيه يكون انكشاف الأمور والوقوف على حقائق المقدور وبملاحظته وإصلاح أسبابه تكون السعادة الأبدية وبالإعراض عنه وإفساد أسبابه يبتلي بالشقاوة السرمدية. وفي الكشف لعل

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٢ / ٢٨٧) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٢ / ١٤٤)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ١٧٣)
(٣) - قلت فيه جهالة !!


الصفحة التالية
Icon