ثم إن الصفات التي لوحظت في القسم بها مناسبة للأغراض المذكورة بعدها، فـ ﴿الصافات﴾ يناسب عظمة ربها، و ﴿الزاجرات﴾ يناسب قذف الشياطين عن السماوات، ويناسب تسيير الكواكب وحفظها من أن يدرك بعضها بعضا، ويناسب زجرها الناس في المحشر. و ﴿التاليات ذكرا﴾يناسب أحوال الرسول والرسل عليهم الصلاة والسلام وما أرسلوا به إلى أقوامهم.
هذا وفي الافتتاح بالقسم تشويق إلى معرفة المقسم عليه ليقبل عليه السامع بشراشره. فقد استكملت فاتحة السورة أحسن وجوه البيان وأكملها. (١)
مناسبتها لما قبلها
ختمت سورة « يس » بقوله تعالى :« فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ». وبدئت سورة الصافات بهذا القسم الذي يقسم به ـ سبحانه ـ على تلك الحقيقة، وهى وحدانية الألوهية، التي هى من مقتضى ملكية اللّه لكلّ شىء.. فإذا كان اللّه هو مالك لكل شىء، كان من مقتضى هذا أن ينفرد بالألوهية، وألا يشاركه فى هذا الوجود أحد، وإلا كانت ملكينه له غير تامة.. وأما وملكيته سبحانه ملكية مطلقة لهذا الوجود، فهو ـ وحده سبحانه ـ صاحب الأمر فيه، وإليه وحده يكون ولاء كل موجود. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة الصافات هي السورة السابعة والثلاثون في ترتيب المصحف، وكان نزولها كما ذكر صاحب الإتقان - بعد سورة « الأنعام ».
ومعنى ذلك أن نزولها كان في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة، لأننا قد سبق أن قلنا عند تفسيرنا لسورة الأنعام، أنه يغلب على الظن أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة.
٢ - قال الآلوسى : هي مكية ولم يحكوا في ذلك خلافا. وهي مائة وإحدى وثمانون آية عند البصريين، ومائة واثنتان وثمانون آية عند غيرهم.
وتعتبر هذه السورة - من حيث عدد الآيات - السورة الثالثة من بين السور المكية، ولا يفوقها في ذلك سوى سورتي الأعراف والشعراء.
٣ - وسميت بهذا الاسم لافتتاحها بقوله - تعالى - : وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. وقد سماها بعض العلماء بسورة « الذبيح »، وذلك لأن قصة الذبيح لم تأت في سور أخرى سواها.
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٢ / ٩٦٠)