أصلها ما علمت من حديث الترمذي في سبب نزولها. وما اتصل به من توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول - ﷺ - وتكبرهم عن قبول ما أرسل به، وتهديدهم بمثل ما حل بالأمم المكذبة قبلهم وأنهم إنما كذبوه لأنه جاء بتوحيد الله تعالى ولأنه اختص بالرسالة من دونه وتسلية الرسول - ﷺ - عن تكذيبهم وأن يقتدي بالرسل من قبله داود وأيوب وغيرهم وما جوزوا عن صبرهم، واستطراد الثناء على داود وسليمان وأيوب، وأتبع ذكر أنبياء آخرين لمناسبة سنذكرها. وإثبات البعث لحكمة جزاء العاملين بأعمالهم من خير وشر. وجزاء المؤمنين المتقين وضده من جزاء الطاغين والذين أضلوهم وقبحوا لهم الإسلام والمسلمين. ووصف أحوالهم يوم القيامة.
وذكر أول غواية حصلت وأصل كل ضلالة وهي غواية الشيطان في قصة السجود لآدم. وقد جاءت فاتحتها مناسبة لجميع أغراضها إذ ابتدئت بالقسم بالقرآن الذي كذب به المشركون، وجاء المقسم عليه أن الذين كفروا في عزة وشقاق وكل ما ذكر فيها من أحوال المكذبين سببه اعتزازهم وشقاقهم، ومن أحوال المؤمنين سببه ضد ذلك، مع ما في الافتتاح بالقسم من التشويق إلى ما بعده فكانت فاتحتها مستكملة خصائص حسن الابتداء. (١)
مناسبتها لما قبلها
كان من الآيات التي ختمت بها سورة الصافات قوله تعالى عن المشركين :« وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » ـ وكان بدء سورة ص ردّا على هؤلاء المشركين، وعلى ادعائهم هذا.. فهذا هو القرآن ذو الذكر قد جاءهم.. فماذا كان منهم ؟ لقد كذبوا به، « وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ » !!.
كذلك كان مما ختمت به السورة السابقة قوله تعالى :« وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ». فجاء فى هذه السورة ـ سورة ص ـ « جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ » ـ جاء إخبارا بالغيب، بما سيحل بهؤلاء المشركين، وبما ينزل بهم من هزيمة هم وما يجمعون من جنود الباطل لحرب النبىّ..
وهكذا يصفح ختام سورة الصافات، بدء سورة (ص) مصافحة لقاء، لا سلام مودّع. (٢)
مقدمة
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٢ / ١٠٤٥)