كما يرد على استنكارهم لما يخبرهم به الرسول - ﷺ - من أمر الوحي. ويتمثل هذا الرد في قصة آدم في الملأ الأعلى. حيث لم يكن النبي - ﷺ - حاضرا إنما هو إخبار اللّه له بما كان، مما لم يشهده - غير آدم - إنسان.. وفي ثنايا القصة يتبين أن الذي أردى إبليس، وذهب به إلى الطرد واللعنة، كان هو حسده لآدم - عليه السّلام - واستكثاره أن يؤثره اللّه عليه ويصطفيه. كما أنهم هم يستكثرون على محمد - ﷺ - أن يصطفيه اللّه من بينهم بتنزيل الذكر ففي موقفهم شبه واضح من موقف إبليس المطرود اللعين! وتختم السورة بختام هذا الشوط الرابع والأخير فيها بقول النبي - ﷺ - لهم : إن ما يدعوهم إليه لا يتكلفه من عنده، ولا يطلب عليه أجرا، وإن له شأنا عظيما سوف يتجلى :«قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ»..
هذه الأشواط الأربعة التي تجري بموضوعات السورة هذا المجرى تجول بالقلب البشري في مصارع الغابرين، الذين طغوا وتجبروا واستعلوا على الرسل والمؤمنين، ثم انتهوا إلى الهزيمة والدمار والخذلان :«جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ. وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ. إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ»..
تعرض على القلب البشري هذه الصفحة. صفحة الهزيمة والدمار والهلاك للطغاة المكذبين. ثم تعرض بإزائها صفحة العز والتمكين والرحمة والرعاية لعباد اللّه المختارين، في قصص داود وسليمان وأيوب.
هذا وذلك في واقع الأرض.. ثم تطوف بهذا القلب في يوم القيامة وما وراءه من صور النعيم والرضوان.
وصور الجحيم والغضب. حيث يرى لونا آخر مما يلقاه الفريقان في دار البقاء. بعد ما لقياه في دار الفناء..
والجولة الأخيرة في قصة البشرية الأولى وقصة الحسد والغواية من العدو الأول، الذي يقود خطى الضالين عن عمد وعن سابق إصرار. وهم غافلون.
كذلك ترد في ثنايا القصص لفتة تلمس القلب البشري وتوقظه إلى الحق الكامن في بناء السماء والأرض. وأنه الحق الذي يريد اللّه بإرسال الرسل أن يقره بين الناس في الأرض. فهذا من ذلك :«وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا».. وهي لفتة لها في القرآن نظائر. وهي حقيقة أصيلة من حقائق هذه العقيدة التي هي مادة القرآن المكي الأصيلة.. (١)
ما تضمنته هذه السورة من العبر والمواعظ