*ثم جاءت الآيات طرية ندية تدعو العباد إلي الإنابة لربهم، والرجوع إليه، قبل أن يداهمهم الموت بغتة، أو يفاجئهم العذاب من حيث لا يشعرون، وحينئذ يتوبون ويندمون، في وقت لا ينفع فيه توبة ولا ندم [ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم.. ] الآيات.
*وختمت السورة الكريمة بذكر نفخة الصعق، ثم نفخة البعث والنشور، وما يعقبهما من أهوال الآخرة وشدائدها، وتحدثت عن يوم الحشر الأكبر، حيث يساق المتقون الأبرار إلي الجنة زمرا، ويساق المجرمون الأشرار إلى جهنم زمرا، في مشهد هائل، يحضره الأنبياء والصديقون والشهداء الأبرار، والوجود كله يتجه إلي ربه بالحمد والثناء فى خشوع واستسلام [ ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون.. ] الآيات إلى نهاية السورة الكريمة
التسمية : سميت " سورة الزمر " لأن الله تعالي ذكر فيها زمرة السعداء من أهل الجنة، وزمرة الأشقياء من أهل النار، أولئك مع الإجلال والإكرام، وهؤلاء مع الهوان والصغار. (١)
مقصودها الدلالة على أنه سبحانه وتعالى صادق الوعد، ، أنه غالب لكل شيء، فلا يعجل لأنه لا يفوته شيء، ويضع الأشياء في أوفق محالها يعرف ذلك أولو الألباب المميزون بين القشر واللباب، وعلى ذلك دلت تسميتها الزمر لأنها إشارة إلى أنه أنزل كلا من المحشورين داره المعدة له بعد الإعذار في الإنذار، والحكم بينهم بما استحقته أعمالهم، عدلا منه سبحانه في أهل النار، وفضلا على المتقين الأبرار، وكذا تسميتها ) تنزيل ( لمن تأمل آيتها، وحقق عبارتها وإشارتها، وكذا ) الغرف (، لأنها إشارة إلى حكمه سبحانه في الفريقين أهل الظلل النارية والغرف النورية، تسمية للشيء بأشرف جزئيه، فالقول فيها كالقول في الزمر سواء، ويزيد أهل الغرف ختام آيتهم ) وعد الله لا يخاف الله الميعاد (٢)
هذه السورة تكاد تكون مقصورة على علاج قضية التوحيد. وهي تطوف بالقلب البشري في جولات متعاقبة وتوقع على أوتاره إيقاعات متلاحقة وتهزه هزا عميقا متواصلا لتطبع فيه حقيقة التوحيد وتمكنها، وتنفي عنه كل شبهة وكل ظل يشوب هذه الحقيقة. ومن ثم فهي ذات موضوع واحد متصل من بدئها إلى ختامها يعرض في صور شتى.

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ١٢٨)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٦ / ٤١٢)


الصفحة التالية
Icon