وقيل : كلها مكية إلا قوله - تعالى - : إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ، إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ... الآية.
ولكن هذا القيل وغيره لم تنهض له حجة يعتمد عليها، فالرأى الصحيح أنها جميعها مكية.
٣ - وهذه السورة تسمى - أيضا - بسورة « المؤمن » لاشتمالها على قصة مؤمن آل فرعون. كما تسمى بسورة « الطول » لقوله - تعالى - في أوائلها : غافِرِ الذَّنْبِ، وَقابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ الْعِقابِ، ذِي الطَّوْلِ....
وعدد آياتها خمس وثمانون آية في المصحف الكوفي والشامي، وأربع وثمانون في الحجازي، واثنتان وثمانون في البصري..
٤ - وسورة « غافر » هي أول السور السبعة التي تبدأ بقوله - تعالى - حم والتي يطلق عليها لفظ « الحواميم ».
وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الآثار في فضل هذه السور، منها : ما روى عن ابن مسعود أنه قال :« آل حم » ديباج القرآن.. ومنها ما روى عن ابن عباس أنه قال :« إن لكل شيء لبابا، ولباب القرآن آل حم » أو قال « الحواميم ».
٥ - وقد افتتحت السورة الكريمة بالثناء على اللّه - تعالى -، وبتسلية الرسول - ﷺ - عما لقيه من أذى المشركين ومن جدالهم، وببيان وظيفة الملائكة الذين يحملون عرشه - تعالى -، وأن منها الاستغفار للمؤمنين، والدعاء لهم بقولهم - كما حكى القرآن عنهم - :
... رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ، وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ، وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
٦ - ثم دعا - سبحانه - عباده إلى إخلاص الطاعة له، وذكرهم بأهوال يوم القيامة، وأن الملك في هذا اليوم إنما هو للّه - تعالى - وحده. قال - تعالى - : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ. يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
٧ - وبعد أن وبخ - سبحانه - الغافلين على عدم اعتبارهم بسوء عاقبة من سبقهم من الكافرين، أتبع ذلك بجانب من قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وهامان وقارون، وحكى ما دار بين موسى - عليه السلام - وبين هؤلاء الطغاة من محاورات. كما حكى ما وجهه الرجل المؤمن من آل فرعون إلى قومه من نصائح حكيمة، منها قوله - كما حكى القرآن عنه - : وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ