وقد ابتدأت بإعلان تنزيل الكتاب الكريم من اللّه المتصف بالصفات الحسنى، وهاجمت الكفار الذين يجادلون بالباطل، ثم وصفت مهام ملائكة العرش.
وأخبرت عن طلب أهل النار الخروج منها لشدة العذاب، ورفض هذا الطلب، وأقامت الأدلة على وجود اللّه القادر، وخوّفت من أهوال القيامة، وأنذرت الكفار من شدائد ذلك اليوم.
ثم لفتت الأنظار لموضع العبرة من إهلاك الأمم الغابرة وهو كفرهم بالآيات البيّنات التي جاؤوا بها، وخصّت بالذكر قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون، وما دار من حوار بين فرعون وقومه وبين رجل من آل فرعون يكتم إيمانه، وما فعله فرعون الطاغية من قتل أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم، خشية انتشار الإيمان في قومه، وانتهاء القصة بهلاك فرعون بالغرق في البحر مع جنوده، ونجاة موسى وقومه جند الإيمان في ذلك العصر.
وتلك هي قصة الإيمان والطغيان.
وقد أردف ذلك بإعلان خذلان الكافرين، ونصر الرسل والمؤمنين نصرا مؤزرا في الدنيا والآخرة.
وختمت القصة بأمر النبي ص بالصبر على أذى قومه كما صبر موسى وغيره من أولي العزم.
ثم أوردت السورة الأدلة الكونية الدالة على وحدانية اللّه وقدرته، وضربت المثل للمؤمن بالبصير، وللكافر بالأعمى، فالمؤمن نيّر القلب والبصيرة بنور اللّه، والكافر مظلم النفس يعيش في ظلمة الكفر.
وأتبعت ذلك ببيان نعم اللّه على عباده من الأنعام والفلك وغيرها.
وختمت السورة بما يؤكد الغرض المهم منها : وهو الاعتبار بمصرع الظالمين المكذبين، وما يلقونه من أصناف العذاب، ومبادرتهم إلى الإيمان حين رؤية العذاب، ولكن لا ينفعهم ذلك، فإن سنّة اللّه الثابتة ألا يقبل إيمان اليأس أو حال رؤية البأس. (١)
وتسمى سورة المؤمن، وسورة الطول، وهي مكية كلها في قول أكثر القراء، وعن ابن عباس : هي مكية إلا آيتين منها هما إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ والتي بعدها، وهي خمس وثمانون آية.
والسور المبدوءة في القرآن بلفظ حم سبع سور وكلها مكية، وهي عرائس القرآن، وروى عن أنس قول النبي - ﷺ - قال : الحواميم ديباج القرآن.
وسورة غافر تدور آياتها حول مناقشة المجادلين في آيات اللّه المشتملة على التوحيد وإثبات البعث والرسالة، ويتطرق الكلام إلى وصف حال المشركين والمجادلين يوم القيامة، ثم ذكر قصة فرعون وهامان وقارون للمشركين، وفي خلال ذلك سيقت آيات تثبت وصف اللّه بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص. (٢)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٢٨٨)